المنشورات

المحسنات البديعية

البديع لغة: الجديد والطريف، وقيل: هو الشىء الذى يكون أولا، كما فى لسان العرب (1).

واصطلاحا: هو أحد علوم البلاغة الثلاثة: المعانى، البيان، البديع، ومنزلته عند البلاغيين والنقاد فى صناعة العبارة البليغة هى: الثالثة.

علم البديع اصطلاحا: "هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال، ووضوح الدلالة".

فرعاية تطبيق الكلام لمقتضى الحال وظيفة علم المعانى، ووضوح الدلالة وظيفة علم البيان، والمطابقة والوضوح عنصران أساسيان فى كل كلام بليغ.

أما البديع- عندهم- فمقصور على تحسين الألفاظ (الصورة) والمعانى (المضمون) المقصودة من الكلام.

وأول من قصر البديع على هذه الوظيفة هو أبو يعقوب السكاكى (2) ونهج نهجه البلاغيون من بعده (3)

والبديع جنس ناعم تحته نوعان:
(أ) البديع اللفظى، وهو ما كان الحسن فيه راجعا إلى اللفظ أصلا، وإلى المعنى تبعا. (ب) البديع المعنوى، وهو ما كان الحسن فيه راجعا إلى المعنى أصلا وإلى اللفظ تبعا. ولكل من هذين النوعين صور (جزئية) تندرج تحتهما، ومجموعهما هو المسمى: المحسنات البديعية، وهى أكثر من مائة وخمسين محسنا، وقد جمع بعضهم هذه المحسنات فى مؤلفات خاصة مع تفاوت الإحصاء بين القلة والكثرة (4)

وقد ضُخِّم من كثرة صوره الجزئية الخلط بين صوره الخالصة وفنون البلاغة الأخرى، الراجعة إلى علمى المعانى والبيان. ومتأخرو البلاغيين، مثل الخطيب القزوينى، وشُرَّاح تلخيصه أكثر دقة من المتقدمين، كأسامة بن منقذ، الذى أوصل صور المحسنات البديعية إلى خمس وتسعين ومائتى صورة فى كتابه: "البديع فى نقد الشعر"، بينما نجده عند ابن أبى الإصبع فى كتابه "تحرير التجسيد فى صناعة الشعر والنثر" .. خمسا وعشرين ومائة صورة مع عصرى الرجلين (القرنان الخامس والسابع).

ومن صور المحسنات البديعية اللفظية من "الجناس" وهو أكثر المحسنات اللفظية تصرفا وتشعبا.

وله تعريف عام هو:

"تشابه الطرفين فى اللفظ، واختلاف معانيهما" (5).

ولهذا التشابه درجات، أعلاها أن يكون الطرفان لفظا واحدا مكررا.

ومن أمثلته قوله تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} (الروم 55).

فالجناس بين: ساعة الأولى وساعة الثانية ولا عبرة ب "الـ" فى ساعة الأولى.

فاللفظ هنا له صورة خطية وصوتية واحدة فى كلا الطرفين والمعنى مختلف: لأن معنى الأولى هو "القيامة" من القبور، ومعنى الثانية هو اللحظة القصيرة المبهمة من الزمن.

هذا، وقد اتحد الطرفان (ساعة- ساعة) فى عدد الحروف، وترتيبها، ونوعها، وهيئتها (حركات الحروف) وما كان كذلك سمى (جناسا تاما متماثلا).

ومثاله من الشعر

لك يا منازل فى القلوب منازل

أقفرت أنت وهن منك أواهل

منازل الأولى: ديار الأحبة بعد أن خلت منهم بموت أو هجرة.

منازل الثانية المراد منها الذكريات الحاصلة فى القلوب هنا، وقد ذكر الخطيب القزوينى صورا أكثر من صور المحسنات البديعية اللفظية، ولكنه لم يستوفها كلها (6).

ومنها: رد العجز عن الصدر، السجع، الموازنة، القلب. وضابط المحسنات اللفظية عندهم:

أن يكون التحسين راجعا إلى اللفظ أولا بالذات، ثم إلى المعنى ثانيا بالعرض.
(ب) أما المحسنات المعنوية، فمن أشهرها: الطباق، وهو: "الجمع بين المعنيين المتضادين (7)، أو المتقابلين سواء كان تقابل ضدين، أو نقيضين".

ومثال تقابل الضدين قوله تعالى: {الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة 257)

فالطباق بين الظلمات والنور، وهما: ضدان، ومثال التقابل بين النقيضين قوله تعالى: {يخرج الحى من الميت} (الأنعام 95) لأن الحياة والموت نقيضان لا يجتمعان فى محل واحد، ولا يرتفعان عنه معا فى وقت واحد.

ومثاله من الشعر:

إذا أيقظتك حروب العدا

فنبه لها عُمَرا ثم نم

والطباق بين: نبِّه- نَمْ

وللطباق تقسيمات وتنويعات تراجع فى مكانها من كتب البلاغة، كالمفتاح لأبى يعقوب السكاكى، والإيضاح للخطيب القزوينى، والمطول لسعد الدين التفتازانى، والأطول للعصام، ثم شروح التلخيص.

أما المحسنات البديعية عموما فممن استوعب جمعها ابن أبى الإصبع العدوانى المصرى فى كتابه "تحرير التحبير" ومن القدماء ابن حجة الحموى فى كتابه: "خزانة الأدب وغاية الأرب" وابن رشيق صاحب كتاب "العمدة فى محاسن الشعر".

أ. د/ عبد العظيم إبراهيم المطعنى











مصادر و المراجع :

١- موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

المؤلف: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر

عدد الأجزاء: 1

أعده للشاملة/ عويسيان التميمي البصري

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید