المنشورات
المرابِطُون
المرابطون: عَلَم على أصحاب ومؤسسى الدولة الإسلامية التى قامت فى بلاد المغرب والأندلس فى القرنين الخامس والسادس للهجرة (القرنين 11، 12 للميلاد). وأصل هذه الكلمة هو الفعل (رابط) بمعنى لازم، ومنه مرابطة الجيش فى الثغور ومواضع المخافة أمام العدو. وفى القرآن الكريم: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} (آل عمران 200).
لقد كانت بداية المرابطين فى أوائل القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) إلى الجنوب من وادى درعة فى الصحراء الفاصلة بين المغرب الأقصى وحوض نهر السنغال.
وأصل المرابطين يرجع إلى قبائل صَنهاجة البربرية المغربية الصحراوية، وكانت مضاربهم ممتدة أول الأمر إلى الشمال فى إقليم تافيللت، وقاعدته مدينة سِجِلماسة، فلما بسطت قبيلة زناتة سلطانها على بلاد المغرب الأوسط، طردوا الصنهاجيين نحو الجنوب، فأصبحوا يومئذ محصورين فى الصحراء الكبرى بين الزناتيين من جهة الشمال، وقبائل السود السنغاليين من الجنوب، وباتوا مهددين بالفناء من جراء ذلك الحصار.
وفى ظل هذه الظروف الحرجة اتحدت القبائل الصنهاجية وهى: جُدالة، ولمتونة، ومَسُّوفَة، وتارجا وجَزُولة، وبنو وارث، وبدأوا العمل والتحرك للتخلص من الحصار الذى يهددهم، تحت زعامة جُدالة، وشيخها يحيى بن عمر بن إبراهيم بن ترغوت الجدالى.
وفى عام 427 هـ/ 1036م خرج يحيى بن عمر على رأس جماعة من قومه للحج، وفى طريق عودتهم، توقفوا بمدينة القيروان- فى تونس- لأخذ العلم والرواية من علمائها، والتقوا بشيخ المالكية الفقيه أبى عمران بن عيسى الورفجومى الفاسى (ت 430هـ/1039م)، وطلبوا منه أن يرسل معهم أحد العلماء من تلاميذه، ليفقههم فى الدين، وليرجعوا إليه فى الأحكام، لأنهم منقطعون فى الصحراء، فانتدب لذلك عبد الله بن ياسين الجزولى، فكان معلمهم وفقيههم، غيرأنه كان يتمتع بذكاء وفطنة ونشاط ظاهر فى الدعوة إلى الله، وإلى وحدة الصنهاجيين وقوتهم سبيلا إلى الفكاك من استبداد الزناتيين بهم.
ويبدو أن هذا الفقيه الجزولى كان يتسم بالصرامة والتشدد، فاعتزله كثير من الناس، فانحاز إلى جزيرة فى النهر، وأقام فيها مرابطا، والتف حوله جماعة انقادت له وأخلصت له، وفى طليعتهم الأمير يحيى بن عمر، وأخوه أبو بكر بن عمر الجداليان، وتكاثر مع مرور الوقت الراغبون فى هذا الرباط والمعجبون بالشيخ ابن ياسين، حتى بلغ عددهم نحو ألف رجل من فتيان صنهاجة الذين يتقدون حماسة ورغبة فى الجهاد فى سبيل الله، وحينئذ قال لهم شيخهم وإمامهم ابن ياسين: "إن ألفا لن يغلبوا من قلة، فاخرجوا بنا للجهاد والقيام بالحق والدعوة إليه".
فخرجوا مجاهدين تحت إمرة يحيى بن عمر، وانتصروا على الزناتيين، فانكسر الحصار الذى ضُرب على صنهاجة فى الشمال، كما انتصروا على السود فى الجنوب، وانفتح بذلك السبيل أمام المرابطين للّتوسع شمالا. وفى عام 445 هـ/1053م أغاروا على أطراف درعة، وقتلوا مسعود بن وانودين وهزموا جيشه واستولوا على درعة وسجلماسة.
ولما قُتل يحيى بن عمر اللمتونى فى عام 477 هـ/1055م، خلفه فى قيادة المرابطين أخوه: أبو بكر بن عمر، فمضى مع الشيخ ابن ياسين على المنهج ذاته، ويعينه مخلصا فى هذا الاتجاه ابن عمه يوسف بن تاشُفين اللمتونى.
وفى حدود عام 461هـ/1068 - 1069م أتم المرابطون الاستيلاء على إقليم تافيللت، ثم استولوا على وادى نهر تانسيفت، ومن ثم شرعوا فى بناء قاعدة للدولة الجديدة، فشيدت مدينة (مَرَاكُش)، بين سنتى 461 - 465 هـ/1069 - 1074م. وفى هذه الأثناء وقع خلاف بين لمتونة وجدالة فى الصحراء واشتبك الفريقان فى قتال دُعِىَ أبو بكر بن عمر لحسمه، وفض الاشتباك بين الصنهاجيين، فمضى بعد أن أسند إدارة الدولة إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، فاضطلع هذا بقيادة المرابطين على أكمل وجه، وحظى بمكانة رفيعة بينهم، إلى جانب مهارته الحربية التى ظهرت فى ميادين القتال من قبل. فلما رجع أبو بكر من الصحراء، ورأى دولة المرابطين قوية مستقرة، وما يحظى به يوسف من مكانة، وما حازه من توفيق، تنازل- راضيا- عن رياسة الدولة ليوسف، وعاد أبو بكر إلى الصحراء ليواصل الجهاد فيها.
حين كانت دولة المرابطين تتقدم بخطى واثقة نحو التوسع والسيطرة والقوة فى بلاد المغرب حتى شمل سلطانهم المغرب الأقصى ومناطق واسعة من المغرب الأوسط، كانت أوضاع بلاد الأندلس- تحت حكم ملوك الطوائف- تمضى من سيئ إلى أسوأ، وكان نصارى أسبانيا لا يكفون عن الإلحاح على استنزاف قواها والاستيلاء علّيها، حتى سقطت طلّيطلة فى أيديهم سنه 478 هـ/1085م، فاتجهت أنظار أهل الأندلس نحو إخوانهم المرابطين لإنقاذهم ونجدتهم، فلم يتردد يوسف بن تاشفين فى النهوض تلّبية لندائهم، وانتصارا للإسلام وأهله. وعبرت جيوش المرابطين المجاز بين المغرب والأندلس تحت قيادة ابن تاشفين، وكانت معركة الزلاقة الشهيرة فى شهر رجب 479 هـ/1086 م، حيث انتصر المسلمون (مرابطون وأندلسيون) واندحرت جموع النصارى بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة، ولُقِّب يوسف بن تاشفين عقب هذا الانتصار الباهر "أمير المسلمين"، ومن ثم عاد إلى المغرب بعد أن ترك فى الأندلس حامية من المرابطين.
وفى عبورهم الثانى إلى الأندلس عام 481 هـ/1088م، لم يقع بينهم وبين النصارى قتال.
ثم ساءت أحوال بلاد الأندلس، وتجددت الخلافات بين ملوك الطوائف هناك عودا على بدء، وخشى المسلمون عليها من النصارى، فوردت الكتب تترى إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ووصلت إليه الفتاوى من كبار المسلمين، يحثونه على إنقاذ الأندلس من ملوك الطوائف!! وإزاء هذا الوضع الخطير استجاب ابن تاشفين، وعبر إلى الأندلس للمرة الثالثة فى المحرم سنة 483 هـ/089 1 م، وقام بعزل ملوك الطوائف واحدا تلو الآخر، وبدأ عصر جديد فى الأندلس، صارت فيه تلك البلاد جزءا من دولة المرابطين، ويدين أهلها بالسمع والطاعة للأمير يوسف بن تاشفين اللمتونى.
وفى عبوره الرابع من المغرب إلى الأندلس تمكن ابن تاشفين من هزيمة ألفونسو السادس ملك قشتالة وجيشه، وكبده خسائر جسيمة فى معركة قرب كنشرة سنة 491هـ/1087م. وقبل عودته إلى المغرب كون جيشا مرابطيا فى الأندلس، ووزع كتائبه على قواعدها المتعددة، ثم جاز إلى مراكش حيث وافاه أجله فى المحرم سنة 500هـ/1106م.
وتولى بعده ابنه على بن يوسف بن تاشفين، ولم يكن أقل رغبة فى الجهاد من أبيه، حيث كانت له وقائع مشهودة فى الأندلس، تؤكد أنه سائر على نهج أبيه فى جهاد أعداء الإسلام، والحفاظ على ما بقى من الأندلس بأيديهم، ويذكر له وللمرابطين فى هذا الصدد، أنهم تمكنوا من استرداد الجزائر الشرقية فى البحر الأبيض المتوسط (ميورقة ومنورقة ويابسة) سنة 509 هـ/1116م، وكانت قوات مشتركة من بيزة وجنوة وبرشلونة قد استولت عليها من أيدى المسلمين ..
ومما لا ريب فيه أن المرابطين وأمراءهم، قد أعادوا إلى الإسلام قوته وهيبته فى الأندلس، ويسترد مسلمو الأندلس عزتهم وكرامتهم وأمنهم فى ظل تلّك الدولة المجاهدة الباسلة، التى لم يتردد قادتها وجيوشهم فى تلبية نداء إخوانهم المسلمين، طوال عصرهم الذى امتد حتى سنة 541هـ/1147م. حيث انتهت دولتهم، لترثها وتحل محلها فى المغرب والأندلس معا دولة جديدة هى (دولة الموحدين) ..
أ. د/ محمد جبر أبو سعدة
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
29 أبريل 2024
تعليقات (0)