المنشورات
المشاءون
اتجاه فلسفى سار أصحابه على فلسفة أرسطو (348 ق. م- 322 ق. م)، وعرفوا باسم المشائيين، وكان له ملامح محددة أصبحت فيما بعد ركيزة عدة تطورات فلسفية. والمشاء، كثير المشى، والمشائى هو الأرسطى، سمى مشائيا لأن أرسطو كان يعلم تلاميذه ماشيا، والمشائى رمز إلى الممشى أو الرواق الذى كان يلقى أرسطو فيه محاضراته، أو رمز إلى طريقته فى التدريس، وهو يطوف فى الرواق وقد أحاط به تلاميذه.
وأصبحت المشائية بعد ذلك اصطلاحا للفكر الأرسطى ومن شايعه فى التفلسف، سواء من تلقى علّيه علوم الفلّسفة بالمباشرة، أو من تتلمذ علّى كتبه إما بالدراسة فقط أو بالدراسة والشرح والتعليق.
وللمشائية صور متعددة بقدر فهم الشعوب. وبقدر استيعاب الأفراد، فأرسطو عند الرومان غيره عند العرب. ففى الحضارة العربية نرى أرسطو بصورة تختلف عنها فى الحضارة الغربية.
وقد انتقلت فلّسفة أرسطو عبر مدرسة الاسكندرية إلى مدارس إنطاكية والرَّها ونصيبين وحران، وسواها من مراكز التعليم التى شغلت بصورة خاصة بترجمة منطق أرسطو من اليونانية والتعليق عليها كجزء من الدراسات اللاهوتية.
وقد سميت هذه المرحلة باسم المرحلة السريانية فى تطور المشائية وكانت تمهيدا للمرحلة العربية الإسلامية التى تجاوزت إطار الدراسات المنطقية الضيق لتناول فلّسفة أرسطو إلى الاهتمام ببقية فروعها الطبيعية والإلهية، والفلّكية، ومثل أرسطو عند العرب الاتجاه العقلى وظهر بدرجات متفاوتة عند فلاسفته.
ولم يحصر فلاسفة العرب فكرهم داخل الإطار الأرسطى فقط، بل أضافوا إليه بعض العناصر من أفلاطون وأفلوطين، وقاموا بالتوفيق والمزج بين عدة آراء وإفرازها فى مركب واحد يحمل ملامح التفكير اليونانى والروح الإسلامية.
وحاولت المشائية الإسلامية إيجاد صيغة مشتركة بين الدين والفلسفة وإن لم تتعادل فى النظر إلى الطرفين، بل كانت رؤيتها إلى الفلسفة أميل، ولجأت إلى التأويل لترسيخ ملامح التوفيق، وكان منطلقها فى ذلك أن النص الدينى يخاطب بظاهره جمهور الناس.
أما الخاصة فينبغى أن يكون لهم تصوراتهم الخاصة مع الإيمان بأن فى النص ثنائية. وأول علم من أعلام المشائية العربية هو أبو إسحاق الكندى (ت 866 م) الذى جمع بين الدين والفلسفة وألف فى جميع أبواب الفلسفة والعلوم. جاء بعده الفارابى (ت 950 م) إمام مناطقة عصره، وأول شارح من شراح أرسطو الكبار فى العربية، أطلق عليه لقب المعلم الثانى خلفا لأرسطو المعلم الأول، وجاء بعده ابن سينا لتكتمل به سلسلة فلاسفة الإسلام فى المشرق المتابعين لأرسطو، ولكن ليس متابعة كاملة، فهم لا يمثلون المشائية الخالصة بل أضافوا إليها مؤثرات أخرى. وقد هاجم الغزالى هذه المشائية المشرقية فى كتابه (تهافت الفلاسفة) وحصر آراءهم فى عشرين مسألة، كفرهم فى ثلاث منها، وكان لهذا الكتاب أثره فى زعزعة الفلسفة فى المشرق.
وانتقلت المشائية من المشرق إلى المغرب وأخذ بها ابن باجة (ت 1138م) وابن رشد (ت 1198م) الذى دافع عن الفلسفة ضد هجمة الغزالى فى كتابه (تهافت التهافت) إلا أنه لم ينجح بصورة عامة فى دفع التهمة عن المشائية وظلت الفلسفة بعد ذلك من العلوم المكروهة فى بلاد الأندلس.
ويعد ابن رشد وحده الممثل الخالص للفكر المشائى، وأعظم شارحى أرسطو فى العصور الوسطى. إذ هاجم كل انحراف عن فلسفة أرسطو، وهاجم الفارابى وابن سينا فى عدد من الآراء التى نسبوها إلى أرسطو. ورفض كل خروج عن نص أرسطو ارتكبه الآخرون، إذ تمسك تمسكا شديدا بآراء أرسطو.
ولابن رشد الفضل الأكبر فى إيضاح نص أرسطو المترجم إلى العربية ووضع تقسيمات وتمييزات بين مفاصل أقوال أرسطو، وهو أمر سيتأثر به فلاسفة العصور الوسطى فى أوروبا وعلى رأسهم ألبرت الكبير، وكانت شروح ابن رشد مصدرا أساسيا لفهم فلسفة أرسطو.
وظل مناطقة عصر النهضة الأوروبية فى القرنين الخامس والسادس عشر حين أرادوا العودة إلى منطق أرسطو فى أصوله ينهلون من النص الأصلى أو الترجمة لكتب أرسطو فى المنطق مستعينين بشروح ابن رشد المختلفة واستمرت المشائية بعد ذلك فى إطار مسيحى لاتينى بلغ أوجه عند القديس توما الأكوينى وبعدها أخذت المشائية فى الانحسار.
أ. د/ منى أبو زيد
مصادر و المراجع :
١- موسوعة المفاهيم
الإسلامية العامة
المؤلف: المجلس
الأعلى للشئون الإسلامية - مصر
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/
عويسيان التميمي البصري
29 أبريل 2024
تعليقات (0)