المنشورات

أتتك بحائنٍ رجلاه.

الإتيان: التقدم. والحائن: الهالك. ويقال حان الرجل يحين حينا كباع بيعاً إذا هلك، فهو حائن. واحنه الله: أهلكه.
ويضرب هذا المثل فيمن سعى إلى مضرته وطلب هلاكه وجرى إلى حتفه. وقال عبيد بن الأبرص. وسببه أن المنذر بن ماء السماء أو النعمان على خلاف بينهم، كان قسم دهره يومين: يوم نعيم ويوم بؤس. فكان كل من يلقيه في يوم النعيم اجزل صلته، ومن لقيه يوم البؤس قتله. فبينما هو في أيام بؤسه إذ طلع عليه العبيد بن الأبرص. فقال له الملك: ألا كان الذبح لغيرك؟ فقال عبيد: أتتك بحائنٍ رجلاه: قال الملك: أو اجل بلغ أناه، ثم قال له: أنشدني يا عبيد، فقد كان يعجبنا شعرك. فقال عبيد: حال الجريض، دون القريض، ويبلغ الحزام الطبيين. قال: أنشدني:
أقفر من أهله محلوب ... فالقطبيات فالذنوب
وهو من شعر عبيد. فقال عبيد:
أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد
فقال: أنشدني هبلتك أمك! قال: المنايا على الحوايا. فقال بعض القوم: أنشد الملك هبلتك أمك! فقال: لا يرحل رحلك من ليس معك.
وقال له آخر: ما اشد جزعك على الموت! فقال:
لا غرو من عيشة نافده ... وهل غير ما ميتةٍ واحدة
فابلغ بني وأعمامهم ... بأن المنايا هي الراصدة
فلا تجزعوا لحمام دنا ... فللموت ما تلد الوالدة
فقال له الملك: لا بد من الموت ولو لقيني أبي في هذا اليوم لم أجد بداً من أن اذبحه. فأما إذ كنت لها وكانت لك فأختر مني ثلاث خصال: من الأكحل، وإنّ شئت من الأبجل، وإنّ شئت من الوريد. فقال عبيد: ثلاث خصال مقادها شر مقاد، وحاديها شر محاد، ولا خير فيها لمرتاد، فإن كنت لا محالة فاعلاً فأستقي الخمر حتى إذا ذهلت لها ذواهلي، وماتت لها مفاصلي فشأنك وما تريد! فسقاه، فلما أخذت فيه الحميا وقرب الذبح أنشد يقول:
وخيرني ذو البؤس يوم بؤسه ... ثلاثاً أرى في كلها الموت قد برق
كما خيرت عاد من الدهر مرة ... سحائب ما فيها لذي خيرة أنق
سحائب ريح لم توكل ببلدةٍ ... فتتركها إلاّ كما ليلة الطلق
فأمر به فذبح. وفي هذه القصة أمثال يأتي شرح كل منها في محله إن شاء الله تعالى. ولمّا دخل عبد الله بن زياد الكوفة، وسمع به مسلم بن عقيل بن أبي طالب، تحول إلى هانئ بن عروه المرادي، فوضع أبن زياد الرصد على مسلم حتى علم بموضعه، فبعث محمّد بن الأشعث إلى هانئ فجاءه به من هناك. فلما نظر إليه أبن زياد قال: أتتك بحائن رجلاه! ثم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذريك من خليلك من مراد
والقصة مشهورة في قتل الحسين رضي الله عنه، وسنلم ببقايا بعد إنّ شاء الله تعالى.











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید