المنشورات
أخذ الليل جملاً
الاتخاذ مر، والليل معروف، وكذا الجمل من الإبل. يضرب هذا المثل لمن سرى الليل اجمع، إما لأنه بات ساريا مستيقضا عارفا بجميع ما مر عليه من أجزاء الليل كان مصاحبا لليل حقيقة، غير تارك له ولا غافل عنه بالنوم، ولا مفارق له كمصاحبة الراكب لراحلته، وأما لأنه صار الليل له سببا في وصوله إلى مأربه وبلوغه حين سراة، كما أن الجمل يكون سببا في وصول إلى مطلبه حين يركبه؛ وإما لأن الدلجة تعين على السير وتقطع المسافة البعيدة كما في الحديث فأشبهت الجمل لأن أقوى على السير، وأبقى على الأير، وأقطع للفلوات، وأنجح في بلوغ الحاجات. قال حبيب:
جعل الدجى جملا وودع راضيا ... بالهون يتخذ القعود قعودا
ويحكى أن عبد الله بن سعيد لمّا افتتح أفريقية وقتل ملكها جرجير، بعث بالفتح إلى عثمان رضي الله عنه مع عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. فلما بلغ أبن الزبير قام في الناس خطيبا فقال: الحمد لله الذي ألف بيننا بعد الفرقة، وجعلنا متحابين بعد البغضة، الحمد لله الذي لا تجحد نعماؤه، ولا يزول ملكه؛ له الحمد كما حمد نفسه وكما هو أهله؛ ابتعث محمّدا صلى الله عليه وسلم فاختاره بعلمه وائتمنه على وحيه؛ فاختار له من الناس أعوانا قذف في قلوبهم تصديقه فآمنوا به وعزروه ووقروه ونصروه وجاهدوا في الله حق جهاده، فأستشهد الله منهم من استشهد على المنهاج الواضح، والبيع الرابح، وبقي منهم من بقي لا تأخذهم في الله لومة لائم، أيّها الناس - رحمكم الله - إذا خرجنا للوجه الذي قد علمتم، فكنا مع خير وال ولي فمحمد، وقسم فعدل، لم تفقد من بر أمير المؤمنين شيئا. كان يسر بنا البريدين يخفض بنا في الظهائر، ويتخذ الليل جملا. يعجل الرحل من المنزل القفر، ويطيل اللباث في المنزل المخصب الرحب. فلم نزل على احسن حالة يتعرفها قوم من ربهم حتى انتهى إلى أفريقية فنزل منا بحيث يسمع صهيل الخيل، ورعاء الإبل، وقعقعة السلاح، فأقام أياما يجم كراعه ويصلح سلاحه، ثم دعاهم إلى الإسلام والدخول فيه، فبعدوا منه، وسألهم الجزية عن صغار والصلح، فكانت هذه ابعد، فأقام فيهم ثلاث عشرة ليلة يتأنى بهم وتختلف رسله إليهم. فلما يئس منهم قام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر الصلاة عليه، ثم ذكر فضل الجهاد وما لصاحبه إذا صبر واحتسب. ثم ناهد لعدوه فقاتلهم اشد القتال يومه ذلك، وصبر الفريقان جميعا وكانت بيننا وبينهم قتلى كثيرة، وأستشهد الله رجالا من المسلمين، فبتنا وباتوا، للمسلمين بالقرآن دوي كدوي النحل، وبات المشركون في ملاهيهم وخمورهم، فلما أصبحنا أخذنا مصافنا التي كنا عليها بالأمس، وزحف بعضنا إلى بعض فأفرغ الله علينا الصبر، ثم أنزل علينا النصر. ففتحناها من آخر النهار، فأصبنا غنائم كثيرة، فبلغ فيها الخمس خمسين مائة ألف دينار. وتركت المسلمين قد قرت أعنهم وقد أغناهم التفل ووسعهم الحق وأنا رسولهم إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين، أبشره وإياهم بما فتح الله من البلاد وأذل من الشرك، فاحمد الله على آلائه، وما أحل بأعدائه، من بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين. وزعموا أنه لمّا فرغ من الخطبة نهض إليه أبه الزبير فقبل بين عينيه وقال له: يا بني، إذا نكحت امرأة فأنكحها على شبه أبيها أو أخيها تأتك بأحدهما، والله ما زلت تنطق بلسن أبي بكر الصديق حتى صمت.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
1 مايو 2024
تعليقات (0)