المنشورات

آلف من حمام مكة.

يقال ألِفَ فلان كذا، بكسر اللام، يألفه إلفاً بكسر الهمزة وفتحها فهو ألف، وهي آلفة، وهم آلاف، وهن آلفات وأو ألف. والألفة بضم الهمزة: اسم من الائتلاف. إلفك بكسر الهمزة: الذي تألفه كما يقال: حب وخدن. والحمام على مثال سحاب: اسم جنس واحدة حمامة للذكر والأنثى. وقد يقال للواحد حمام، قاله في الصحاح وأنشد عليه قوله الشاعر:
حماما أيكة وقعا فطارا
وقول الآخر:
وذكرني الصبا بعد التنائي ... حمامةُ أيكةٍ تدعو حماما
قلت: والأول محتمل لأن يكون تثنية جماعتين كما قال الآخر:
هما سيدانا يزعمانِ وإنما ... يسوداننا إن أيسرت غنماها
فثنى الغنم وهو اسم جمع، وهذه التثنية لا تخص بالمفرد، بلهي جارية في أسماء الجموع، وجموع التكسير أيضا، كما علم في محله، فلا دليل فيها على المفرد. والثاني يحتملل أن يكون الحمام فيه اسم جنس، لا يقال مقابلته بالحمامة عاضد للأفراد، فهو ظاهر في المراد، لأنا نقول ذلك لو سلم أن الحمامة أريد بها الأنثى ليكون المقال ذكرا. لكنا نقول إنها للفرد من الجنس كما مر، ومقابل الفرد من حيث هو الجنس. والحمام قال في الصحاح: ذوات الأطراف من نحو الفواخت والقماري وساق حر والقطا وأشباه ذلك. قال: وهي عند العامة الدواجن فقط، وأنشد على الأول لحميد بن ثور:
وما هاجَ هذا الشوق إلاّ حمامةٌ ... دعت ساقَ حرٍّ ترحه وترنما
قال: والحمامة هاهنا قمرية قال وقال الأصمعي في قول النابغة:
احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ... إلى حمام شراعٍ واردِ الثمدِ
هذه زرقاء اليمامة نظرت إلى قطا. قلت: وبه حزم شارح ديوان النابغة عن أبي حاتم، وإن هذه المرأة كانت لها قطاة. فمر بها سرب من القطا فقالت ذلك. وأراد النابغة بالحمام ذلك القطا. ومكة البلدة الحرام ووصف حمامها بالألفة لأنه محترم لا يتعرض له أحد بمكروه ولا أذى، كما قال العجاج:
ورب هذا البلدِ المحرمِ ... قواطناً مكة من ورقِ الحمِ
أي الحمام، فرخم للضرورة فلما كان آمنا كان ثابت الجأش غير نفور من الناس نفور الصيد، كما قال النابغة:
والمؤمنِ العائذاتِ الطير يمسحها ... ركبانُ مكة بين الغيل والسعدِ
وأراد بالعائذات هذه الطير، ولذا أتى بالطير بدلا منها، والمؤمن هو الله تعالى، وهو لفظ اسم فاعل متعد إلى مفعولين بهمزة النقل، والواو للقسم، والمفعول الثاني محذوف أي: أقسم بالله تعالى الذي أمن الطير العائذات أن تصاد أو أن تؤخذ. وقوله: يمسحها ركبان مكة، أي يمسحون عليها ولا يهجونها لألفتها لهم واستئناسها بهم. والغيل بفتح المعجمة وقيل بسكونها، والسعد أجمتان بين مكة ومنى. وقيل: الغيل بفتح الغين الماء الجاري على وجه الأرض. وهو هنا ماء يخرج من أصل أبي قبيس.
واعلم أن هذه الصيغة وهي قولنا أفعل من كذا، مستعملة في باب المثل عند أرادة منتهى التشبيه وأقصاه، كما يقال: أعز من الأبلق العقوق، وأجود من حاتم، وأعيى من باقل، ونحو ذلك. وأنما يتم ذلك ببلوغ المضروب به غاية ذلك المعنى. لكن هذا أمر إضافي موكول إلى نظر القائل واعتبره وحكم خياله. فأيهما شيء استعظم درجته ساغ له أن يضرب به المثل. ولذا يصح له أن يضرب المثل بالحمام في الألفة، وإن كان غير الحمام فيها وأحق، لكنه لم يلتفت إلى الغير فاستعظمها في الحمام إذ ليس الألفة من شأن الطير، فهي مستغربة، والاستغراب زائد الاستعظام كما قالوا: أجرأ من خاصي الأسد. وفهم مثل هذا في كل ما يرد في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید