المنشورات
إنَّ مع اليوم غدا.
يضرب في تنقل الحالات وتبدل الساعات. وذلك لأن الخير والشر لمّا كانا متقاربين وكان زمانهما في علم الله تعالى مقسطين مقدرين علم أنَّ الشر متى حدث في زمن فللخير زمان يقابله يحدث فيه فعبر عن هذين الزمنين باليوم والغد لمّا بين اليوم والغد من التقابل بل كالذي بين الزمنين. فإذا وقع بك شر فذلك بوم الشر وللخير زمان يترقب هو عند ذلك اليوم فتقول تسليا: إنَّ مع اليو غدا.
وكذا في العكس كما قيل:
يا من يخاف أنَّ يكون ... ما يكون سرمدا
أما سمعت قولهم ... إنَّ مع اليوم غدا؟
وقال علي بن الجهم لمّا حبسه المتوكل:
صبراً فإن اليوم يتبعه غد ... ويد الخليفة لا تطاولها يدُ
ولكل خير معقب ولربما ... أجلى لك المكروه عما يحمدُ
لا يؤنسنك من تفرج كربتة ... خطبٌ رماك به الزمان الأنكدُ
كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعوَّدُ
وقال معن بن أوس المزني:
وأني أخوك الدائم العهد لم أخن ... وإن زال خصمٌ أو نبا بك منزلُ
وإن سؤتني يموا صبرت إلى غدٍ ... ليعقب يوما آخرٌ منك أولُ
ولمّا خرج المتوكل العباسي إلى دمشق ركب يوما إلى رصافة هشام بن عبد الملك بن مروان فنظر إلى قصرها. ثم خرج فرأى ديرا هناك قديما حسن البناء بين مزارع وأشجار ورياض وأنهار فدخله. فبينما هو يطوف به إذ رأى رقعة بصدره. فأمر بها فأزيلت وأتوتي بها فإذا فيها:
يا منزلا بالدير أصبح خالياً ... يلاعب فيه شمأل ودبورُ
كأنك لم يسكنك بيض نواعم ... ولم يتبختر في فنائك حورُ
وأبناء أملاك غواشم سادةٌ ... صغيرهم عبد الأنام كبيرُ
إذا لبسوا ادرارهم فعوابسٌ ... وإن لبسوا تيجانهم فبدورُ
على أنهم يوم اللقاء ضراغمٌ ... وأيديهم يوم العطاء بحورُ
ليالي هشام بالرصافة قاطنٌ ... وفيك ابنه يا دير وهو أميرُ
إذ الدهر غض والأخلافة لدنٌ ... وعيش بني مروان فيك نضيرُ
وروضك مرتاد ولونك مزهرٌ ... وعيش بني مروان فيك قريرُ
بلى! فسقاك الله صوب غمامة ... عليك لها لعد الرواح بكورُ
تذكرت قومي خالياً فبكيتهم ... بشجو ومثلي بالبكاء جديرُ
فعزيت نفسي وهي نفسٌ إذا جرى ... لها ذكر قومي أنه وزفيرُ
لعل زماناً جار عليهم فلم يكن ... لهم بالذي تهوى النفوس يدورُ
فيفرح محزونٌ وينعم بائسٌ ... ويطلق من ضيق الوثاق اسيرُ
رويدك إنَّ اليوم يتبعه غدٌ ... وإنَّ صروف الدائرات تدورُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع وتطير وقال: أعوذ بالله من شر أقداره! واستدعى صاحب الدير وسأله عن الرقعة فقال: لا علم لي بها! ويذكر إنّه رجع حينئذ إلى بغداد فلم يلبث إلاّ أياما قلائل حتى قتله ابنه المنتصر رحمه الله تعالى. وقال الحماسي:
عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلاً أنَّ يكون له غدُ
والشعر في هذا المعنى كثير.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
1 مايو 2024
تعليقات (0)