المنشورات

أبعد من بيض الأنوق.

البعد معروف؛ يقال: بعد بالضم والكسر؛ وقد يستعمل البعد بمعنى الموت والهلاك. قالت الشاعرة:
لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر
والأنوق بفتح الهمزة، على مثال صبور: الرخمة، وهو طائر أسود أصلع الرأس أصفر المنقار. وهي تجعل بيضها حيث لا ينال، فتتخذ أوكارها في قنن الجبال الصعبة، فيضرب المثل ببيضها في البعد وعزة المنال، كما قيل:
وكنت إذا استودعت سراً كتمته ... كبيض الأنوق لا ينال لها وكر
وقال الآخر:
وأجازها قذفات كل تنوفة ... وكر العقاب بها وبيت الأعصم
فوطئن أوكار الأنوق ... وروعت منها وبات المهر ضيف الهيثمِ
وزعموا أنَّ رجلا أتى معاوية رضي الله عنه فقال له: زوجني هند! يعني أمه. فقال: لا أرب لها في زوج. قال: فولني كذا! فأنشد معاوية:
طلب الأباق العقوق ... فلما لم يجده أراد بيض الأنوقِ
والأبلق العقوق: الذكر الحامل وسيأتي وهو محال. فكأنه يقول طلب أمرا محالا، فلما أعجزه طلب أمرا بعيدا لا يناله. واعترضت الحكاية بأن أم معاوية ماتت سنة أربع عشرة، فكيف يطلب تزويجها يوم الولاية؟ وحكيت على وجه آخر يصح وهو أنَّ رجلا أتاه فقال له: افرض لي شيئا! قال: نعم! فقال: ولولدي؟ قال: لا! قال: ولعشيرتي؟ فأنشد البيت.
قلت: وعلى كلا الوجهين لم يقع الانتقال موقعه لأنه إنما يحسن عندما يكون من الأضعف إلى الأقوى ولم يوجد ذلك في البيت على شيء من المجهين: فانه في أحدهما من المحال إلى الممكن البعيد وفي الآخر: من البعيد إلى البعد ضرورة أن الفرض للعشيرة أبعد من الفرض للولد وإن كان السائل يغتر بشبهة أنه لمّا فرض له أغنى ذلك عن الولد فلم يبق له استحقاق الفرض وكانت العشيرة أولى منه ولذا سأل لها بعده. ومن اللغويين من قال: إنَّ الأنوق الذكر من الرخم ووجدان البض له محال. ولا إشكال حينئذ إذ القصد النداء على ضلال السائل وحيويته حيث جعل ينتقل من محال إلى محال. ومنهم من قال: الأنوق يطلق على الذكر والأنثى والله أعلم.
فائدة: قيل وفي الرخمة عشر خصال: تحضن بيضها وتمنع فرخها ولا تمكن من نفسها غير زوجها وتقطع في أول القواطع وترجع في أول الرواجع وتألف ولدها.
هي مع ذلك تحمق كما قيل:
وذات اسمين والألوان شتى ... تحمق وهي كيسة الحويلِ
أي الحيلة. والرخمة أحد لئام الطير وهي: الرخمة والغراب والبوم.











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید