المنشورات

اتميميا مرة وقيسيا أخرى؟

يضرب لمن يتلون ويختلف كلامهم يقف على حال أي: أتنتسب إلى تميم مرة وإلى قيس مرة أخرى؟ وتميم وقيس قبيلتان عظيمتان من قبائل العرب. أما تميم فهو تميم بم مر بم آد بن طابخة بالباء الموحدة والخاء المعجمة بن الياس بن مضر بن نزار وأما قيس فهو قيس بن عيلان بفتح العين المهملة واسمه الياس بن مضر بن نزار وقيس لقب له. وقد قيل إنَّ عيلان هو أبو قيس. ويدل لصحته قول الحماسي:
لحى الله قيسا عيلان إنّها ... أضاعت ثغور المسلمين وولت
فشاول بقيس في الطعان ولا تكن ... أخاها إذا ما المشرفية سلت
إلاّ إنّما قيس بن عيلان بقة ... إذا شربت الماء العصير تغنت
فصرخ بأنه أبن عيلان. وبين القبيلتين أبداً منافرات ومكافحات ومقاتلات. ومن ثم اشتهر بينهما التقابل كما في هذا المثل وشاع عند البيانيين في باب القصر التمثيلي بقولهم: فلان تميمي مراعاة لهذا الأمر. وفي بعض الأخبار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الدرداء إذا فاخرت ففاخر بقريش وإذا كاثر فكاثر بتميم وإذا حاربت فحارب بقيس إلاّ إنَّ مجوهها كنانة ولسانها أسد وفرسانها قيس إلاّ إنَّ لله فرسانا في سمائه وهم الملائكة وفرسان في الأرض وهم قيس وإنَّ آخر من يقاتل عن الإسلام حين لا يبقى إلاّ ذكره ومن القرآن إلاّ اسمه لرجل من قيس. قلت: يا رسول الله من أي قيس؟ قال: من سليم.
وسار معاوية يوما فإذا هو براكب فقال لبعض أصحابه: علي به من غير ترويع فاتاه وقال: اجب أمير المؤمنين فقال: إياه أدرت. فلما دنا حسر اللثام وانشد:
معاوية لم أزل آتيك تهوي ... برحلي نحو ساحتك الركاب
تجوب الأرض نحوك ما تأبى ... إذا ما الاكم قنعها السراب
وكنت المرتجى وبك استغثت ... لتنعشها إذا بخل السحاب
فإذا ليلى الاخيلية فهش لها معاوية وأمر لخها بخمسين بعيرا. ثم سألها عن مضر فقالت: فاخر بقريش وحارب بقيس وكاثر بتمبم وناطق بأسد وتقدم إنَّ هذا في الحديث وسيأتي تمام حديث ليلى في الأعيان. ويسمى أولاد الياس خندفا وهي اسم أمها ومضر كلها راجعة إلى خندف وقيس.
ومن اظرف من يتفق في هذا النسب ويزيد بصيرة في هذا المقام. ما ذكر أبو علي البغدادي يرفع إلى أبي عبيدة أن يزيد بن شيبان بن علقمة خرج حاجا فرأى حين شارف البلد شيخ يحفه ركب على ابل عتاق برحال ميس ملبسة ادما. قال: فعدلت فسلمت عليهم وبدأت به فقلت: من الرجل ومن القوم؟ فإنَ القوم ينظرون إلى الشيخ هيبة له فقال الشيخ: رجل من مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف من قضاضة. فقلت: حياكم الله وانصرفت. فقال الشيخ: قف أيّها الرجل استنسبتنا فانتسبنا لك ثم انصرفت ولم تكلمنا ويروى: شاممتنا مشامة الذئب للغنم ثم انصرفت قال. قلت: ما أنكرت سوءا ولكنني ظننتكم من عشيرتي فانسبكم فانتسبتم نسبا لا اعرفه ولا أراه يعرفني. قال: فامال الشيخ لثامه وحسر عمامته وقال: لعمري لئن كنت من جذم من اجذام العرب لاعرفنك. قلت: فاني من اكرم اجذامها. قال: فإذا العرب بنيت على أربعة أركان: مضر وربيعة واليمن وقضاعة فمن أيهم أنت؟ قلت: من مضر. قال: أمن الأرجاء أمن الفرسان؟ فعلمت إنَّ الأرجاء خندف وإنَّ الفرسان قيس. قلت: من الأرجاء. قال: أنت إذا من خندف؟ قلت: اجل قال: افمن الأرنبة أم الجمجمة؟ فعلمت إنَّ الأرنبة مدركة وإنَّ الجمجمة طابخة. فقلت: من الجمجمة. قال: فأنت إذن من طابخة؟ قلت: اجل قال: افمن الصميم أم من الشويط؟ فعلمت إنَّ الصميم تميم وإنَّ الشويط الرباب فقلت: من الصميم. قال: فأنت إذا من تميم؟ قلت: اجل قال: افمن الاكرمين أم من الاحلمين أم من الاقلين؟ علمت إنَّ الاكرمين زيد مناة وإنَّ الاحلمين عمرو بن تميم وإنَّ الاقلين الحارث بن تميم. قلت من الاكرمين. قال: فأنت إذا من زيد مناة؟ قلت: اجل قال: افمن الجدود أم من البحور أم من الثماد؟ فعلمت إنَّ الجدود مالك وإنَّ البحور سعد بن زيد مناة وإنَّ الثماد بنو امرئ القيس بن زيد بن مناة. قلت: من الجدود. قال: فأنت إذا من بني مالك؟ قلت: اجل قال: افمن الذرى أنت أم من الارداف؟ فعلمت إنَّ الذرى حنظلة وإنَّ الارداف ربيعة ومعاوية وهما الكرد وسان. قلت: من الذرى. قال: فأنت إذا من بني حنظلة؟ قلت: اجل قال: افمن البدور أم من الفرسان أم من الجراثيم؟ فعمت إنَّ البدور مالك وإنَّ الفرسان يربوع وإنَّ الجراثيم البراجم. قلت: من البدور. قال: فأنت إذا من بني مالك بن حنظلة؟ قلت: اجل قال: افمن الأرنبة أم من اللحيين أم من القفا؟ فعلمت إنَّ الأرنبة دارم وإنَّ اللحيين طهي والعدرية وإنَّ القفا ربيعة بن حنظلة قلت من الأرنبة قال: فأنت إذا من دارم؟ قلت اجل قال: افمن اللباب أم من الهضاب أم من الشهاب؟ علمت إنَّ اللباب عبد الله وإنَّ الهضاب مجاشع وإنَّ الشهاب نهشل. قلت: من اللباب. قال: فأنت إذا من عبد الله؟ قلت اجل قال: افمن البيت أم من الزوافر؟ فعلمت إنَّ البيت بنو زرارة وإنَّ الزوافر الاحلاف. قلت: من البيت. قال: فأنت إذا من بني زرارة؟ قلت: اجل قال: فإنَ زرارة ولد عشرة: حاجيا ولقيطا وعلقمة ومعبدا وخزيمة ولبيد وأبا الحارث وعمرا وعبد مناة ومالك فمن أيهم أنت؟ قلت: من بني علقمة ولد شيبان لم يلد غيره فتزوج ثلاثة نسوة: مهدد بنت حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد فولدت له يزيد وتزوج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عدس فولدت له المأمور وتزوج عمرة بنت بشر بن عمرو بن عدس فولدت له المقعد. فلأيهم أنت؟ قلت: لمهدد. قال: يا أبن أخي ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلاّ كنت في أفضلها حتى زاحمك أخزك فانهما إنَّ تلدني أما هما احب ألي من إنَّ تلدني أمك. يا أبن أخي أتراني عرفتك؟ قلت: أي وأبيك أتم معرفة قال: الميس ضرب من الشجر تعمل منه الرحال وارم القوم: سكنوا والوشيط الخسيس من الرجال والصميم الخالص. وفي معنى هذا المثل الذي نحن فيه قول زفر ابن الحارث لعمران بن حطان: ازدينا مرة واوزعيا أخرى؟ ومن التلون قول عمران المذكور:
فاعذر أخاك أبن زنباع فإنَ له ... في النائبات خطوبا ذات ألوان
يوما يمان إذا لا قيت ذا يمن ... وإنَّ لقيت معديا فعداني
وقول الآخر:
أفي الولائم أولاد لواحدة ... وفي المفاخر أولاد لعلات؟











مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید