المنشورات

رب حليةٍ، انفع من قبيلة.

ولنذكر في هذا الباب من الأمثال الشعرية ما تيسر وما جرى على مثالها، وأنتسج على منوالها
قال البارقي:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافرُ
وقبله:
وحلت سليمى في هضاب وأيكةٍ ... فليس عليها يوم ذلك قادرُ
قيل: كان يزيد بن عبد الملك يقول: ما يقر عيني بما أوتيت من الخلافة حتى أشتري سلامة وحبابة جاريتان لبعض أهل الحجاز حتى اشتريتا له. فلما اجتمعتا في ملكه قال: أنا اليوم كما قال الشاعر: فألقت عصاها. . " البيت ". ثم قال: ما يشاء بعد من أمور الدنيا فليفتني.
ويقال لمّا بويع لأبي العباس السفاح قام خطيبا فسقط القضيب من يده فتطير من ذلك. فقام رجل وأخذ القضيب ومسحه إليه وأنشد: فألقت عصاها. . " البيت ".
وقيل إنَّ قتيبة بن مسلم لمّا قدم واليا على خراسان رقي المنبر ليخطب فسقطت المخصرة من يده فتطير من ذلك. فقام بعض الأعراب فمسحها وناوله إياها وقال: أيّها الأمير ليس كما ظن العدو وساء الصديق ولكنه كما قال الشاعر: وألقت عصاها. . " البيت "! فسري عنه. وقيل هو القائل ذلك.
ومثل هذا ما روي أنَّ خالد بن يزيد لمّا دخل الموصل واليا عليها اندق منه اللواء في بعض أبوابها فتطير من ذلك فبادره أبو الشمقمق وكان معه قائلا:
ما كان مندق اللواء لطيرة ... تخشى ولا سوء يكون معجلا
لكن هذا الرمح أضعف متنه ... خطر الولاية واستقل الموصلا
فسرى عن خالد وكتب صاحب البريد بذلك الذي المأمون فزاده ديار ربيعة فأعطى أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم. ومثل ذلك ما يحكى أنَّ طاهر بن الحسين لمّا خرج لقتال علي بن عيسى بن ماهان وفي كمه دراهم يفرقها على الضعفاء وغفل عنها فأسبل كمه فتبددت فتطير بذلك. فأنشده شاعر كان معه:
هذا تفرق جمعهم لا عيره ... وذهابها منه ذهاب الهمِ
شيء يكون الهم نصف حروفه ... لا خير في إمساكه في كمِ
والعرب ضربت المثل بإلقاء العصى في الاستقرار والراحة من الأسفار ولذلك قال حبيب:
كريمٌ إذا ألقى عصاه مخيماً ... بأرضٍ فقد ألقى بها رحله المجدُ
وقال أبن عنين:
ولمّا استقرت في ذراه بي النوى ... وألقت عصاها بين مزدحم الوفد
تنصل دهري واستراح من الوجى ... قلوصي ونامت مقلتي وعلا جدي
وقال عمارة اليمني:
إنَّ الكفالة والوزارة لم تزل ... يومي إليك بفعلها وتشارُ
كانت مسافرة إليك وتبعد ... الأخطار ما لم تركب الأخطارُ
حتى إذا نزلت عليك وشاهدت ... ملكاً يزين الملك منه سوارُ
ألقت عصاها في ذراه وعريت ... عنها السروج محطة الأكوارُ
وقال صردر:
على رسلكم في الهجر إنَّ عصابةً ... إذا ظفرت بالحب ضل ضميرها
سواءٌ على المشتاق والهجر حظها ... أألقت عصاها أم أجد بكورها
وقال أيضاً:
أنعمت في نعماء مطمئنة ... تحكم الفؤاد في أطرافهِ
ألقت عصاها وارتمت ركابها ... في سرر الوادي وفي شعافه
قال الحسين بن إبراهيم:
ألا ليت شعري هل أقولن مرة ... وقد سكنت مما أجن الضمائرُ
ومالي إلى باب المحجب حاجةٌ ... وما بي عما يخفض العرض زاجرُ
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافرُ
وقال الآخر:
إذا لم ير الإنسان عند قدومه ... محياك مثل البدر والبدر سافرُ
فأقسم ما ألقت عصاها يد النوى ... ولا قر عيناً بالإياب المسافرُ
وقال كليب بن ربيعة أو طرفة:
يا لك من قبرةٍ بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري!
وتقدم ذكر هذا وما فيه.
وقال المجنون:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
وتقدم ما يشبه في حرف الباء.
ومثله أيضاً قول الآخر:
فإن تدعي نجداً أدعه ومن به ... وإن نسكني نجداً فيا حبذا نجدُ!
وقبل هذا البيت:
سقى دمنتين ليس لي بها عهد ... بحيث التقي الدارات والجرع الكبدُ
فيا ربوة الربعين حييت ربوةً ... على النأى منا واستهل بك الرعدُ
قضيت الغواني غير أنَّ مودةً ... لذلفاء ما قضيت آخرها بعدُ
إذا ورد المسواك ضمآن بالضحى ... عوارض منها ظل يخصره البدُ
وألين من مس الرخامات يلتقي ... بمارنه الجادي والعنبر الوردُ
جرى نائبات الدهر بيني وبينها ... وصرف الليالي مثل ما جرت البردُ
فإن تدعي نجداً. . " البيت " وبعده:
وإن كان يوم الوعد أدنى لقائنا ... فلا تعذلني أن أقول متى الوعدُ
وقال تأبط شراً:
وأبت إلى بهمٍ وما كدت آئباً ... وكم مثلها غادرتها وهي تصفرُ!
والشطر الثاني مثل سائر في عدم الاكتراث بالشيء.
ومن لطائف شرف الدين الحلاوي أنه أنشد بين يديه لغز في الشبابة وهو:
وناطقةٍ خرساء بادٍ شحوبها ... تكنفها عشرٌ وعنهن تخبرُ
يلذ إلى الأسماع رجع حديثها ... إذا سد منها منخر جاش منخرُ
وهذا الشطر الأخير لتأبط شرا أيضاً ضمنه فأجاب في الحال:
نهاني النهى والشيب عن وصل مثلها ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفرُ!
ضمن تضمينا حسنا ونقل المعنى إلى الشبابة فوقعت لفظة تصفر أحسن موقع.










مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید