المنشورات
تسألني برامتين سلجماً
السؤال تقدم ورامة اسم موضع. قال زهير:
لمن طلل برامتة لا يريم؟ ... عفا وخلا له حقبٌ قديمُ!
وثنوه في هذا المثل اتساعاً.
ومثله قول الآخر:
لمن الديار برامتين فعاقل؟ ... دست وغير أيّها القطرُ!
وهذه الثنية هكذا شائعة في أسماء المواضع عند العرب.
ومثله قول ورقة:
ببطن المكتين على رجائي ... حديثك أن أرى منه خروجا
وإنّما يريد مكة.
وقول الفرزدق: عشية سال المربدان كلاهما وإنّما يريد مربد البصرة.
وجعل السهيل من هذا قول زهير:
ودارٌ لها بالرقمتين كأنها ... مراجع وشم في نواشر معصم
وقول عنترة:
شربت بماء الدحر ضين فأصبحت ... زوراء تنقر عن حياض اليلمِ
في اصح القولين.
وقال أيضاً:
كيف المزار وقد تربع أهلها ... بعنيزتين وأهلنا بالغليم؟
وقولهم: صدنا بقنوين. ويقال: عنيزة اسم موضع وقنا اسم جبل وقال غيره: عنيزتان اسم موضع وأما الدحرضان فهو على التغليب لمائين: أحدهما يقال له دحرض والآخر: وسيع فثناهما الشاعر وغلب لفظ أحدهما على الآخر كالقمرين.
وحكى الجوهري أول كلامه أنَّ الدحرض اسم موضع وهو يوافق ما قال السهلي وأما الرقمان في قول زهير ففي شرح ديوان الشعراء هما موضعان: أحدهما قرب المدينة والآخر قرب البصرة. فأراد أنَّ الدارين بين الرقمتين كما تقول: فلان بمكة أي بين بيوت مكة.
وفي القاموس: الرقمتان روضتان بناحية الصمان. والرقمة أيضاً الوادي والروضة ومنه قول زهير عند الجوهري. ويحتمل أن يوافق ما قال السهلي أو يخالفه إذ لا مانع من أن يريد روضتين. فتجيء التثنية على بابها. ووجه تثنية الموضع الواحد في كل ما مر الإشارة إلى جانبيه.
قال السهلي وأحسن ما تكون هذه التثنية إذا كانت في ذكر جنة أو بستان فتسميتها جنتين في فصيح الكلام إشعاراً بأن لها وجهين وأنك كلما دخلتها ونظرت يمينا وشمالا رأيت من كلا الطرفين ما يملأ العين قرة والصدر مسرة.
وفي التنزيل: جنتان عن يمينٍ وشمالٍ إلى قوله: وبدلناهم بجنتهم جنتين. وفيه: جعلنا لأحدهما جنتينِ من أعناب وفي آخرها: ودخل جنته فأفر بعد ما ثنى وهي هي. قال: وقد حمل بعض الفقهاء على قوله سبحانه: ولمن خاف مقام ربه جنتان. انتهى.
ومن هذا والله أعلم أيضاً عمايتان في قول الآخر:
لو أنَّ عصم عمايتين ويذبلٍ ... سمعا حديثك أنزلا الأوعالا!
وإن وقع في كلام أبن مالك في شرح " التسهيل " وأتباعه أنهما جبلان فإنَّ الذي في متون اللغة المتداولة أنَّ عماية جبل من جبال هذيل وليس فيهما ذكر الجبلين. وكما ثنت العرب البقاع للمعنى السابق كذلك جمعتهما أيضاً إشارة إلى جواب الذي إلا أنَّ الجمع أقل.
ومنه قول مطرود بن كعب الخزاعي:
وهاشمٍ في ضريح عند بلقعةٍ ... تسفي الرياح عليه وسط غزاتِ
يعني غزة وهو بلد بفلسطين مات به هاشم بن عبد الله مناف.
ومثله: بغاذين من بغذان كما وقع في شعر بعض المولدين. ولأبي الطيب معه قصة ذكرها صاحب العمدة. ويرد هنا سؤال هو أنَّ العلم إذا ثني سلب التعيين فجازت تحليته بال. وهذه التثنيات المذكورات في أعلام البقاع ليست على وجهها: فإنها في اللفظ تثنية وفي المعنى إفراد إلا على حال واعتبار. والظاهر أنَّ الوجه الذي به تسوغ التثنية وقد مر شرحه يسوغ به إدخال الألف واللام وبذلك الوجه كان اللفظ مثنى لفظا ومعنى. ويدل لهذا قول السابق المكتين. على أنا لو سلمنا أنه تثنية في اللفظ خاصة دون المعنى منعنا دخول الألف واللام إذ التثنية الملزومة كما تزاد في المفرد العلم نحو:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً ... شديداً بأعباء الخلافة كاهله
والسلجم نبت بوزن جعفر. والسلجم أيضاً: الطويل من الخيل أو الرجال.
والسلجم أيضاً: البئر العادية الكثيرة الماء.
وهذا المثل لم اقف له بعد على تفسير وكأنه شطر رجز. والظاهر أنَّ المراد بالسلجم فيه النبت أو البئر وإنّه استباقاً لسؤال ذلك وطلبه في هذا المكان الذي هو رامة لعدمه فيه. فيكون على معنى المثل الآتي: تسألني أبا الوليد جملا يمشي رويدا ويكون أولا في طلب ما لا يكون.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
3 مايو 2024
تعليقات (0)