المنشورات
تسمع بالمعيدي خير من إنَّ تراه.
المعيدي تصغير المعدي مشدد بالدال، ثم خففت عند التصغير كراهية اجتماع السكانين. قال النابغة:
ضلت حلومهم عنهم وغرهم ... سن المعيدي في رعي وتعزيب
وهذا على ما وقع في الصحاح وغيره من المعيدي في هذا المثل إلى معد بالتشديد وقيل: المعيدي نسبة إلى معدٍ بسكون العين وتخفيف الدال، وهي قبيلة. وتصغيرها معيد. والمعيدي المذكور رجل من هذه القبيلة كان فاتكا يغير على مال النعمان بن المنذر، فيأخذه ولا يقدرون. فأعجب به النعمان لشجاعته وإقدامه فأمنه. فلما حضر بين يديه ورآه، استزرى مرآته، لأنه كان دميم الخلقة، فقال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراه! فقال: أبيت اللعن، إنَّ الرجال بجزر، وإنّما يعيش المرء بأصغريه: قلبه ولسانه! فأعجب النعمان كلامه وعفا عنه، وجعل من خواصه إلى أنَّ مات.
وقوله: تسمع، مضارع ينسبك مع أنَّ مقدرة بالمصدر. وربما أظهرت فقيل: أنَّ تسمع بالمعيدي. وهذا المصدر مبتدأ مخبر عنه بما بعده.
والمعنى: إنَّ سماعك بالمعيدي خير من رؤيتك إياه. ويضرب للرجل يكون له صيت وذكر حسن، فإذا رأيته اقتحمته عينك، وكان عند خبره دون خبره. وقيل: معناه أسمع به ولا تره، على الأمر.
وذكر أبو عبيد أنَّ هذا المثل أول ما قيل لجشم بن عمرو بن النهدي المعروف بالصقعب النهدي، قال فيه النعمان بن المنذر. قال: وهذا على من قال إنَّ قضاعة من معد، لأن نهداً من قضاعة. والقصعب المذكور هو الذي ضرب به المثل فقيل: أقتل من صيحة الصقعب. زعموا إنّه صاح في بطن أمه، وإنّه صاح بقوم فهلكوا عن أخرهم.
وقيل: المثل للنعمان بن ماء السماء، قاله لشقة بن جمرة التميمي، وذلك إنّه سمع بذكره، فلما رآه اقتحمته عينه، فقال أن تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراه! فقال شقة، أيّها الملك، إنَّ الرجل لا تكال بالقفزان ولا توزن بالميزان، ولست بمسوك يسقى فيها الماء، وإنّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، إنَّ قال قال، ببيان وإنَّ صال صال، بجنان! فاعجب المنذر لمّا سمع منه وقال: أنت ضمرة بن ضمرة! وذكر شمس الدين بن خلكان أنَّ أبا محمّد القاسم بن علي الحريري، رحمه الله، جاءه إنسان يزوره ويأخذ عنه شيئاً، وكان الحريري دميم الخلقة جدا. فلما رآه الرجل استزرى خلقته ففهم الحريري ذلك. فلما طلب الرجل إنَّ يملي عليه قال له: اكتب:
ما أنت أوّل سار غرة قمر ... ورائد أعجبته خضرة الدمن
فأختر لنفسك غيري إنني رجل ... مثل المعيدي فأسمع بي ولا تراني!
انتهى.
ويزاد في هذه القصة أنَّ الرجل قال:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن قاسم بن علي أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري!
وربما جعل في هذا الشعر، مكان القاسم بن علي، أحمد بن علي، وإنّه قيل في أحمد بن علي، أحد الفقهاء، وإنَّ قائله لقي الزمخشري فأنشده إياه. فذكر له الزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قال: ما بلغني عن رجل ثم لقيته إلاّ وجدته دون ما بلغني عنه، إلاّ ما كان من زيد الخيل، فأني وجدته فوق ما قيل عنه، أو كلاما هذا معناه كال عهدي به.
وحدثني الرئيس الأجل أبو عبد الله محمّد الحاج بن محمّد بن أبي بكر أنَّ رجلا كان يحضر مجلس والده ويطيل الصمت لا يتكلم ولا يعرفه أحد. ومكث ذلك مدة، ثم كتب رقعة بخط رفيع فائق وذهب. فأخذوا الرقعة فإذا فيها مكتوب:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن مجدكم وثناكم أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
3 مايو 2024
تعليقات (0)