المنشورات

سخر البخيل يدبر عليك!

وأما الشعر فقالوا: تحسبها حمقاء وهي باخس وتقدم في الحاء. وقال جرير:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس
وتقدم تفسير أبن اللبون والبازل والقرن بفتحتين: الحبل يجمع فيه البعيران. ومنه قول جرير:
وأبلغ خليفتنا إنَّ كنت لاقيه إني لدى الباب كالمشدود في قرن!
ولززت البعير وغيره لزا ولزازاً، وألأززته: شددته وألصقته؛ والقناعيس جمع قنعاس بالكسر وهو العظيم من الإبل.
وقال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوائزه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وقبله:
لمّا بدا لي منكم عيب أنفسكم ... ولم يكن لجراحي منكم آس
أزمعت يأسا مريحا من نوالكم ... ولن ترى طاردا للحر كالياس
جارا لقوم أطالوا هون منزله ... وغادروه مقيما بين أرماس
ملوا قراه وهرته كلابهم ... وجرحوه بأنياب وأضراس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
من يفعل الخير. . " البيت "
وخاطب بهذا الشعر الزبرقان، وعليه سجنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. وقال زيد الخيل:
أقاتل حتى لا أرى مقاتلا ... وأنجو إذا لم ينج إلاّ المكيس
يروى مقاتلا بكسر التاء، وبفتحها على معنى موضع القتال.
وقال أوس بن حجر:
وليس فرار اليوم عاراً على الفتى ... إذا عرفت منه شجاعة بالأمس
ومثلهما قول عمرو بن معدي كرب:
ولقد اجمع رجلي بها ... حذر الموت وإني لفرور
ولقد أعطفها كارهة ... حين للقوم من الموت هرير
آخر:
رب مغروس يعاش به ... عدمته كف مغترسه
وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
المأتم بالتاء المثناة من فوق، على وزن مقعد كل مجتمع في حزن أو فرح، وقيل خاس بالنساء، وقيل بالشواب. وأطلق هنا على مجتمع الحزن. وأما المأثم بالثاء المثلثة فهو مفعل ما لا يحل كالاثم؛ والعرس بضمتين: طعام الوليمة. قال الراجز:
أنا وجدنا عرس الحناط ... لئيمة مذمومة الحواط
ويخفف. والعرس بالفتح: الإقامة في الفرح، والعمود في وسط الفسطاط؛ والعرس بفتحتين الدهش؛ والعرس بالكسر: زوج الرجل؛ ولبؤة الأسد، وزوج المرأة أيضاً. وأما العروس فوصف يقع على الذكر والأنثى، ما داما في أعراسهما. والمعنى أنَّ حزن الدهر قريب من فرحه، كما أنَّ فرحه قريب من حزنه، وكذا الصحة والعافية والضيق والسعة ونحو ذلك.
وقال الآخر:
إنَّ كنت لا ترجى ولا تتقى ... فأنت كالميت في رمسه
ونظمها أبن شرف فقال:
إنَّ لم تضر ولم تنفع فكن حجرا ... أو ميتا عن أمور العيش مشغولا
وقال صالح بن عبد القدوس:
وإنَّ من أدنته في الصبا ... كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه ناضرا مونقا ... بعد الذي أبصرت من يبسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في الثرى رمسه
ونظم هذا الأخير أبن شرف فقال:
ومن يعش وهو مطبوع على خلقٍ ... لاقى به التراب مضموما ومنقولا
وقال الآخر:
من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... وزارع الشر منكوس على الرأس
وقال الآخر:
ما أقبح الكذب المذموم صاحبه ... وأحسن الصدق عند الله والناس
وقال العباس بن الأحنف:
وما مر يوم أرتجي فيه راحه ... فأخبره إلاّ بكيت على أمس
ولمحمود:
أخو البشر محمود على كل حالةٍ ... ولن يعدم البغضاء من كان عابسا
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ... ولم أر مثل الجود للعرض حارسا
غيره:
يا حبذا الوحدة من أنيس ... إذا خشيت من أذى الجليس!
غيره:
لا تترك الحزم في أمر تحاذره ... فإنَّ أصبت فما الحزم من باس!
العجز ضعف وما بالحزم من ضرر ... وأزم الحزم سوء الظن بالناس
غيره:
وما نكد الدنيا على طيب ظلها ... وقرب حماها العذب شيء سوى الإنس؟
غيره:
يا راكب الفرس السامي يحكى لونه القبس
لا أنت تبقى على سيف ولا فرس ... وليس يبقى عليك السيف والفرس!
غيره:
أقول له حين ودعته ... وكل بعبرته ملبس:
لئن رجعت عنك أجسامنا ... لقد سافرت معك الأنفس!
وللخنساء:
ترى الأمور سواء وهي مقبلة ... وفي عواقبها تبيان ما التبسا
ترى الجليس يقول القول تحبسه ... نصحا وهيهات ما نصحا به التمسا
ويحكى أنَّ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه استنشدها فأنشدته هذا الشعر، فقال لها: أنت أشعر كل ذات هنٍ! فقالت: وكل ذي خصيين! قيل: وكان بشار يقول: ما قالت امرأة شعرا إلاّ ظهر عليه الضعف. فقيل له: حتى الخنساء؟ فقال: لا! تلك لها أربع خصى! غيره:
تعب يدوم لذي الرجاء مع الهوى ... خير له من راحة في اليأس
وهذا خلاف ما طلب امرؤ القيس في قوله:
أماوي هل لي عندكم من معرس ... أم الصرم تختارين بالوصل نيأس؟
أبيني لنا، إنَّ الصريمة راحة ... من الشك ذي المخلوجة المتلبس
لكن طلب البيان من طول الضجر، ولا يقضي أن يكون التأييس خيرا من لا ترجيه.
غيره:
ثنيت عزمي عن الدنيا وساكنها ... فأسعد الناس من لا يعرف الناسا
غيره:
جفوت أناسا كنت آمل قربهم ... وما بالجفا عند الضرورة من باس
غيره:
حفظ اللسان سلامة للرأس ... والصمت عز في جميع الناس
غيره:
رأيتك لا تهوين لا دراهمي ... عليك سلام الله قد ينفذ الكيس!
غيره:
صدر المجالس حيث حل لبيبها ... فكن اللبيب وأنت صدر المجالس!
غيره:
ضحوك السن إنَّ نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
غيره:
قالوا: نفوس الدار سكناها ... وانتم عندي نفوس النفوس!
غيره:
لولا محبتكم لمّا عاتبتكم ... ولكنتم عندي كبعض الناس
غيره:
لو نظر الناس لأحوالهم ... لاشتغل الناس عن الناس
غيره:
ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت ولم أبصرك في الناس
غيره:
ما بال دينك ترضى أنَّ تدنسه ... وثوب جسمك مغسول من الدنس؟
غيره:
ما هذه أوّل ما مر بي ... كم مثلها مر على رأسي!
غيره:
من لا رأى مصرا ولا أهلها ... فلا رأى الدنيا ولا الناسا
غيره:
نسيت مودتي أنَّ طال عهدي ... نعم! قد قيل: طول العمر ينسي!
غيره:
وما من هالك في الناس إلاّ ... ورأس هلاكه طلب الرياسه
وقال أبو تمام:
ما في النجوم سوى تعلة باطل ... قدمت وأسس إفكها تأسيسا
إنَّ الملوك هم كواكبنا التي ... تخفى وتطلع أسعدا ونحوسا
ومنها:
لو أنَّ أسباب العفاف بلا تقى ... نفعت لقد نفعت إذا إبليسا!
وقال أيضاً:
والدمع فيه خاذل ومواسي
ومنها:
لا تنسين تلك العهود فإنما ... سميت إنسانا لأنك ناس
وقال أيضاً:
أرى الآفاتٍ قد كتبن على رأسي ... بأقلام شيب في مهارق انقاسي
فإنَّ تسأليني من يخط حروفها ... فكف الليالي تستمد بأنفاسي
جرت في قلوب الغانيات لشيبتي ... قشعريرة من بعد لين وإيناس
وقد كنت أجرى في حشاهن مرة ... مجاري صافي الماء في قضب الآس
فإنَّ أمس من حظ الكواعب آيسا ... فآخر آمال العباد إلى الياس!
وقال الآخر:
الكلب أعلى قيمة ... وهو النهاية في الخساسة
ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسة
غيره:
استودع العلم قرطاس فضيعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس!
قال أبو علي العبادي في نوادره: وسمع يونس رجلا ينشد هذا البيت فقال: قاتله الله! ما أشد صبابته بالعلم وصيانته للحفظ! إنَّ علمك من روحك ومالك من بدنك، فصن علمك صيانة روحك، ومالك صيانة بدنك.
وقال محمد بن إبراهيم يخاطب بعض أهله:
أظنك أطغاك الغنى فنيستني ... ونفسك والدنيا الدنية قد تنسي
فإنَّ كنت تعلو عند نفسك بالغنى ... فإني سيعليني عليك غنى نفسي
وقال أعرابي سأل آخر حاجة، فتشاغل عنه:
كدحت بأظفاري وأعلمت معولي ... فصادفت جلمود من الصخر أملسا
وأقبلت أنَّ أنعاه حتى رأيته ... يفوق فواق الموت ثم تنفسا
تشاغل لمّا جئت في وجه حاجتي ... وأطرف حتى قلت: قد مات أو عسا
فقلت له: لا بأس لست براجع ... فأفرخ تعلوه السمادير مبلسا
السمادير: أم يتراءى للإنسان عند السكر.
غيره:
لئن درست أسباب ما كان بيننا ... من الود ما شوقي إليك بدارس
وما أنا من أنَّ يجمع الله بيننا ... على خير ما كنا عليه بآيس
وقال أحد بني شيبان:
وما أنا من ريب المنون بجبا ... وما أنا من سيب الإله بآيس
يقال: جبأ عن كذا يجبأ عنه، إذا هابه، ورجل جبأ.
وقال مهلهل:
نبئت إنَّ النار بعد أوقدت ... واستب معدك يا كليب المجلس
وتكلموا في أمر كل عظيمة ... لو كنت حاضر أمرهم لم ينسبوا!
قوله المجلس أي الجالسون، والنبس: النطق، يقال نبس فلان.
غيره:
والشيب إنَّ يحلل فإنَّ وراءه ... عمراً يكون خلاله متنفس
لم ينتقص مني المشيب قلامة ... الآن حين بدا ألب وأكيس
ومثله، في مدح الشيب، قول الآخر:
لا يرعك المشيب يا بنت عبد ... الله، فالشيب حلة ووقار
إنّما يحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلاها الأنوار!
وسنذكر بعد ما قيل في الشيب، إن شاء الله.
وقالت الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي!
وقالت أيضاً:
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي
وهذان البيتان من قطعة لها تعارض فيها دريد بن الصمة، وكان دريد خطب الخنساء في حياة أخويها. فأراد أخوها معاوية إنَّ يزوجها، وكان أخوها صخر غائبا في غزاة له، فأبت وقالت: لا حجة لي به! فأراد أنَّ يكرهها، فقالت:
تباكرني حميدة كل يومٍ ... بما يولي معاوية بن عمرو
فلا أعط من نفسي نصيبا ... لقد أودى الزمان إذا بصخر
أتكرهني هبلت على دريدٍ ... وقد أحرمت سيد آل بدر
معاذ الله يرصعني حبركى ... قصير الشبر من جشم بن بكر
يرى مجدا ومكرمة أتاها ... إذا عشى الصديق جريم تمر
الحبركي: القصير الجرلين، الطويل الظهر؛ والقصير الشبر: القليل الخير والعطاء. فقال دريد:
لمن طلل بذات الخمس أمسى ... عفا بين العقيق فبطن طرس؟
أشبهها غمامة يوم دجن ... تلألأ برقها أو ضوء شمس؟
فأقسم ما سمعت كوجد عمرو ... بذات الخال من جن وانس
وقاك الله يا ابنة آل عمرو ... من الفتيان أمثالي ونفسي
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
وقالت إنّه شيخ كبير ... وهل خبرتها أني أبن أمس؟
تريد أفيحج الرجلين شثناً ... يقلع بالجديرة كل كرس
إذا عقب القدور عددن مالا ... أحب حلائل الإبرام عرس
وقد علم المراضع في جمادي ... إذا استعجلن عن حز بنهس
بأني لا أبيت بغير لحم ... وأبدأ بالأرامل حين أمسي
وإني لا يهر الضيف كلبي ... ولا جاري يبيت خبيث نفس
واصفر من قداح النبع فرع ... به علمان من عقب وضرس
دفعت إلى المفيض إذا تستقلوا ... على الركبات مطلع كل شمس
فلما مات صخر قالت الخنساء تعارض دريدا في كلمته:
يؤرقني التذكر حين أمسي ... ويردعني مع الأحزان نكسي
على صخر، وأي فتى كصخر ... ليوم كريه وطعان خلس
وعان طارق أو مستضيف ... يروع قلبه من كل جرس
ولم أر مثله رزءاً لجن ... ولم أر مثله رزءاً لإنس
أشد على صروف الدهر منه ... وأفضل في الخطوب لكل لبس
ألا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي!
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولا ... تساعدن نائحا في يوم نحس
تفجع والها تبكي أخاها ... صبيحة رزئه أو غب أمس
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأبكيه لكل غروب شمس
وقال أبو علي، عن أبن دريد: طلوع الشمس للغارات وغروبها للضيفان.
وقال الآخر:
تقوس بعد مر العمر ظهري ... وداستني الليالي أي دوس
فأمشي والعصا تهوي أمامي ... كأنَّ مواءها وتر لقوسي
ونحوه الآخر:
قوس ظهري المشيب والكبر ... والدهر يا عمرو كله غير
كأنني والعصا تدب معي ... قوس لها وهي يدي وتر
غيره:
إذا تمنيت بت الليل مغتبطا ... إنَّ المنى رأس أموال المفاليس
غيره:
الله يعدل والآمال كاذبة ... وكل هذا المنى في القلب وسواس
ومثله لحبيب:
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا
ولغيره:
منى إنَّ تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلاّ فقد عشنا بها زمنا رغداً
ولمسلم:
لولا منى العاشقين ماتوا ... غما وبغض المنى غرور
وقال الصابئ:
وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسود إلاّ من النقس
إذا رشقت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أردية الشمس!
أبن المعتز:
إني إذا لم أجد يوما مراسلة ... وضاقت بي منتهى أمري وملتمسي
لمرسل عبرة في إثرها نفس ... يا ليت شعري هل يأتيكم نفسي؟
وقال أبو محمّد الحريري، رحمه الله تعالى:
جزيت من أعلق بي وده ... جزاء من يبني على اسه
وكلت للخل كما كال لي ... على وفاء الكيل أو بخسه
ولم أخسره وشر الورى ... من يومه أخسر من أمسه
وكل من يطلب عندي جنى ... فماله إلاّ جنى غرسه
لا ابتغي الغبن ولا أنثني ... بصفقة المغبون في حسه
ولست بالموجب حقا لمن ... لا يوجب الحق على نفسه
ورب مذاق الهوى خالني ... أصدقه الود على لبسه
وما درى من جهله إنني ... أقضي غريمين الدين من جنسه
فأهجر من أستبغاك هجر القلى ... وهبه كالملحود في رمسه
والبس لمن في وصله لبسة ... لباس من يرغب في انسه
ولا ترج الود ممن يرى ... انك محتاج إلى فلسه!
وله أيضاً:
حيارى يميد بهم شجونهم ... كأنهم آرتضعوا الخندريسا
أسالوا الغروب وعطوا الجيوب ... وصكوا الخدود وشجوا الرؤوسا
وله أيضاً:
لعمرك ما الإنسان إلاّ أبن يومه ... على ما تجلى يومه لا أبن أمسه
وما الفخر بالعظام الرميم وإنّما ... فخار الذي يبغي الفخار بنفسه!
وقال أيضاً:
لبست لكل زمان لبوسا ... ولابست صرفيه نعمى وبوسا
وعاشرت الرواة أدير الكلام ... وبين السقاة أدير الكؤوسا
وطورا بوعظي أسيل الدموع ... وطورا بلهوي أسر النفوسا
وأقري المسامع أما نطقت ... بيانا يقود الحرون الشموسا
وإنَّ شئت أرعف كفي اليراع ... فساقط دراً يحلي الطروسا
وكم مشكلات حكين إليها ... خفاء فبصرن بكشفي شموسا
وكم ملح لي خلبن العقول ... وأسأرن في كل قلب رسيسا!
وعذراء فهمت بها فانثنى ... عليها الثناء طليقا حبيسا
على إنني من زماني خصصت ... بكيد ولا كيد فرعون موسى
يسعر لي كل يوم وغى ... أطأ من لظاها وطيسا وطيسا،
ويطرقني بالخطوب التي ... يذبن القوى ويشبن الرؤوسا
ويدني إلى البعيد البغيض ... ويبعد عني القريب الأنيسا
ولولا خساسة أخلاقه ... لمّا كان حظي منه خسيسا
وقال أيضاً:
وليس كفء البدر غير الشمس
ومنها:
والفقريلجي الحر حين يمسي ... إلى التجلي في لباس اللباس
وله:
ما لي مقر بأرض ... ولا قرار لعنسي
يوما بنجد ويوما ... بالشام أضحي وأمسي
أزجي الزمان بقوت ... منغص مسخس
فلا أبيت وعندي ... فلس ومن لي بفلس؟
ومن يعش مثل عيشي ... باع الحياة ببخس!
غيره:
لا يصعبن عليك في طلب العلا ... طول التنقل أو فراق المكنس
فالبدر لو لم ينتقل عن برجه ... ما كان يعرف نوره في الحندس
والخمر يحجب نورها في دنها ... وتروق مهما نقلت للأكؤس
وقال أبن المرزبان:
كم ليلةٍ أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيب حث الأكؤس
شبهت بدر سمائها لمّا دنت ... منه الثريا في ملاءة سندس
ملكا مهيبا قاعدا في روضةٍ ... حياه بعض الزائرين بنرجس
غيره:
ولم أدخل الحمام يوم فراقهم ... لأجل نعيم قد رضيت ببوسي
ولكم لتجري عبرة مطمئنة ... فأبكي ولا يدري بذلك جليسي
غيره:
تذكر أخي إنَّ فرق الدهر بيننا ... أخا في هواك الآن أصبح أو أمسى
ولا تنس بعد البعد حق مودتي ... فمثلي لا يَنسى ومثلك لا يُنسى!
غيره:
أدرها على أمن ولا تخش من باس ... وإنَّ خددت آذانها ورق الآسي
وما هي إلاّ ضاحكات غمائم ... لواعب من ومض البروق بمقباس
ووفد رياح زعزع النهر مرة ... كما وطئت درعا سنابك أفراس
غيره:
بلد أغارته الحمامة طوقها ... وكساه ريش جناحه الطاووس
فكأنما الأنهار فيه مدامة ... وكأنَّ ساحات الديار كؤوس
غيره:
أكره إنَّ أدنو من داركم ... لأنني أخشى على نفسي
ضرسي طحون وعلى خبزكم ... من أكل مثلي آية الكرسي
هو الذي أقعدني عنكم ... فكيف أمشي ومعي ضرسي؟
غيره:
أفرط نسياني إلى غاية ... لم يدع النسيان لي حسا
فصؤت مهما عرضت حاجة ... مهمة ضمنتها الطرسا
وصرت أنسى الطرس في راحتي ... وصرت أنسى إنني أنسى!
غيره:
علي ثياب دون قيمتها الفلس ... وفيهن نفس دون فيمتها الأنس
فثوبك مثل الشمس من دونها الدجا ... وثوبي مثل من تحته الشمس!
وقال أبو الطيب:
ألذ من المذام الخندريس ... وأحلى من معطاة الكؤوس
معاطاة الصفائح والعوالي ... وأقحامي خميسا في خميس
فموت في الوغى عيشي لأني ... رأيت العيش في أرب النفوس!
وقال أيضاً يخاطب محمّد بن زريق الطروسي:
إني نثرت عليك درا فانتقد ... كثر المدلس فأحذر التدليسا!
ومنها:
خير الطيور على القصور وشرها ... يأوي الخراب ويسكن الناووسا
لو جادت الدنيا فدتك بنفيسها ... أو جاهدت كتبت عليك حبيسا
وقال أيضاً:
أنوك من عبد ومن عرسه ... من حكم العبد على نفسه
وإنّما يظهر تحكيمه ... تحكم الإفساد في حسه
ما من يرى انك في وعده ... كمن يرى انك في حبسه
العبد لا تفضل أخلاقه ... عن فرجه المنتن أو ضرسه
لا ينجز الميعاد في يومه ... ولا يعي ما قال في أمسه
وإنّما تحتال في جذبه ... كأنك الملاح في قلسه
فلا ترج الخير عند امرئٍ ... جالت يد النخاس في رأسه
وإنَّ عراك الشك في نفسه ... بحال فأنظر إلى جنسه!
وقال أبو العلاء المعري:
لا يوهمك أنَّ الشعر لي خلق ... وإنني بالقوافي دائم الأنس
فإنما كان إلمامي بساحتها ... في الدهر إلمام طير الماء بالعلس
العلس: حب معروف وطير الماء لا تأكل الحبوب، وإنّما تصطاد السمك الصغار. وأراد بذلك التبرئة من قول الشعر.
وقال أسقف نجران:
منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها حمراء صافيه ... وغروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت في النفس
لطيفة: حدث بعض الأدباء عن الأصمعي قال: حضرت مجلس الرشيد، وعند مسلم بن الوليد إذ دخل أبو نواس فقال له: ما أحدثت بعدنا؟ يا أبا نواس! فقال: يا أمير المؤمنين، ولو في الخمر؟ فقال: قاتلك الله، ولو في الخمر! فأنشده:
يا شقيق النفس من حكم ... نمت عن ليلى ولم أنم!
وفيها قوله:
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
حتى أتى على أخرها. فقال: أحسنت يا غلام، أعطه عشرة آلاف وعشر خلع! فأخذها وخرج. فلما خرجنا من عنده قال مسلم بن الوليد: ألم تريا أبا سعيد إلى الحسن بن هانئ كيف سرق من شعري وأخذ به مالا وخلعا؟ فقالت: وأي معنى سرق؟ قال: قوله:
فتمشت في مفاصلهم. . " البيت ". فقلت: وأي شيء قلت؟ قال: قلت:
غراء في فرعها ليل على قمرٍ ... على قضيب على غصن النقا الدهس
أذكى من المسك أنفاساً وبهجتها ... أرق ديباجة ًمن رقة النفسِ
كأنَّ قلبي وشاحها إذا خطرت ... وقلبها قلبها في الصمت والخرسِ
تجري محبتها في قلبِ وامقها ... جري السلافة في أعضاء منتكسِ
فقلت: ممن سرقت أنت هذا المعنى؟ فقال: لا أعلم أنني أخذته من أحد. فقالت: بلى! من عمر بن أبي ربيعة حيث يقول:
أما والراقصات بذات عرقٍ ... وربَّ البيت والركن العتيقِ
وزمزم والطواف ومشعريها ... ومشتاقٍ يحن إلى مشوقِ
لقد دب الهوى لك في فؤادي ... دبيب دم الحياة إلى العروقِ
قال: ممن سرق عمر بن أبي ربيعة؟ قلت: من بعض العذريين حيث يقول:
واشرب قلبي حبها ومشى به ... كمشي حميم الكأس في عقل شاربِ
ودب هواها في عظامي وحبها ... كما دب في الملسوع سم العقاربِ
فقال لي: من أخذ هذا العذاري؟ قلت: من أسقف نجران يعني السابق.
وقال أبو الفتح البستي:
يا أكثر الناس إحسانا إلى الناس ... وأكرم الناس إغضاء عن الناس
نسيت عهدك والنسيان مغتفر ... فاغفر فأول ناس أوّل الناس!
وقال مسلم بن الوليد في تفضيل الورد:
كم من يد للورد مشهورة ... عندي وليس كيد النرجس
الورد يأتي ووجوه الربى ... تضحك عن ذي برد أملس
وقد تحلق بعقود الندى ... ثابتة في الأرض لم تغرس
ولن ترى النرجس حتى ترى ... روض الخزامى رثة الملبس
وتخلف النكباء ما جددت ... أيدي الغوادي في سنا السندس
وهناك يأتيك غريبا على ... شوقٍ من الأعين والأنفس
غيره:
من أحسن الظن بأعدائه ... تجرع الهم بلا كاس
قال الصفدي: ولو كنت ناظم هذا البيت لقلت: من احسن الظن بأحبابه، ولم اقل: بأعدائه.
ولله در القائل:
جزى الله خيرا كل من ليس بيننا ... ولا بينه ود ولا متعرف
فلا نالني ضيم ولا مسني أذى ... من الناس إلاّ من فتى كنت أعرف!
وقال: يقال إنَّ رجلا كان على عهد كسرى يقول: من يشري ثلاث كلمات بألف؟ ولا يجد، إلى أن اتصل بكسرى، فأحضره وسأله عنها فقال: ليس في الناس كلهم خير. قال: صدقت! ثم ماذا؟ فقال: ولا بد منهم! قال: صدقت! ثم ماذا؟ قال: فألبسهم على حذر! فقال قد استوجبت المال، فخذه! قال: لا حاجة لي به، وإنّما أردت أن أرى من يشتري الحكمة! وقال أبو فراس:
مالي أعاتب دهري أين يذهب بي؟ ... قد صرح الدهر لي بالمنع والياس
أبغي الوفاء بدهر لا وفاء به ... كأنني جاهل بالدهر والناس
ونحوه في المعنى قوله أيضاً:
أين الخليل الذي يرضيك باطنه ... مع الخطوب كما يرضيك ظاهره؟
وقول أبن الساعاتي:
لا يغرنك لتودد من قوم ... فإنَّ الوداد منهم نفاق
والقلوب الغلاظ لا ينزع الأحقاد ... منها إلاّ السيوف الرقاق
وقول آخر:
لا تثق من آدمي ... في وداد بصفاء!
كيف ترجو منه صفواً ... وهو من طين وماء؟
وقول الآخر:
ومن يك اصله ماء وطينا ... بعيد من جلبته الصفاء
وقال أبن قلاقس:
غاض الوفاء وفاض ماء ... الغدر أنهارا وغدرا
وتطابق الأقوام في ... أقوالهم سراً وجهرا
فأنظر بعينيك هل ترى ... عرفا وليس تراه نكرا!
وهو من قول الطغرائي:
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفجرت ... مسافة الخلف بين القول والعمل
وما أعدل قول محي الدين بن تميم في هذا:
لك الخير كم صاحبت في الناس صحبا ... فما نالني منهم سوى الهم والعنا
وجربت أبناء الزمان فلم أجد ... فتى منهم عند المضيق ولا أنا!
ومثله لبعضهم:
طفت زمانا على من ينصفني فلما أنصفت خنته أنا
وتتميم هذا الغرض في موضع آخر، إن شاء الله تعالى.
غيره:
لم يكفني في الرأي خيبة منظري ... حتى حرمت لذاذة الإيناس
كالأعور المسكين أعدم عينه ... وأعتاض منها بغضة في الناس
ووقال الآخر: محي الدين محمّد بن تميم في مليح ينسى كثيرا:
بروحي الذي نسيانه صار عادة ... وأفرط حتى كاد يعدمه الحشا
فلو إنّه بالهجر أضحى مهددي ... لمّا ساءني علما به إنّه ينسى
وقال الآخر:
والله ما طلعت شمس ولا غربت ... إلاّ وأنت مني وقلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ... إلاّ وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من ظمأ ... إلاّ رأيتن خيالاً منك في الكأس!
وقال الآخر:
إنَّ صحبنا الملوك تاهوا علينا ... واستخفوا جهلا بحق الجليس
أو صحبنا التجار عدنا إلى البؤس ... وصرنا إلى عديد الفلوس
فلزمنا البيوت نستعمل الحبر ... ونملا به وجوه الطروس
وقعنا بما رزقنا فصرنا ... أمراء على الملوك الرؤوس!
فقال آخر، مذيلاً لهذا الشعر:
لو تركنا وذاك كنا ظفرنا ... من أمانينا بعلق نفيس
غير أنَّ الزمان أعني بنيه ... حسودا على حياة النفوس
وقلت أنا:
إني امرؤ لا أنثني غبنا ... يوم المصاع بصفقة الوكس
وإذا استطان البون من فرق ... لا ينزوي خلدي على رجس
وإذا الزمان أحال نائبه ... حالي عففته فلم يحل نفسي
وإذا تطاول لم
وإذا استطاب الهون محتسبا ... نذل فلست تراه في كأسي
أرعى الهبيد على القنان ولا ... أرعى بوهد أطيب الخلس
وألذ آنية المياه إذا ... كان الفرات يشاب بالكرس
وإذا استينت الخسف في بلدٍ ... يوما ومت لغيره عنسي
إنَّ البلاد لذي الحجى وطن ... والناس كلهم بنو جنس
ويحكى إنَّ أبن سكرة في آخر أمره، لمّا مات الوزير المهلبي، سأل: ما أعددت للشتوة؟ فقال:
قيل: ما أعددت للبرد ... فقد جاء بشده؟
قلت: دراعة عري ... تحتها جبة رعده!
وقلت أنا فيها، وجعلتها ثمانيا:
إذا أومض البرق اليماني وأظنبت ... على الأرض من جنون الولي قباب
فلد بثمان هن في الدهر للفتى ... وقاء إذا ما نالها وحجاب:
كباب وكانون وكن وكاعب ... وكأس وكيس وكسوة وكتاب!
وجمع بعضهم للصيق راآت ثمانية قابل بها كافات الشتاء، فقال:
عندي فديتك راآت ثمانية ... ألقى بها الحر إنَّ وافى وردا:
رب وروح وريحان وريق رشا ... ورفرف ورياض ناعم وردا
وقد فتن الأدباء في هذا الغرض، فجمعوا هذا النمط أعداد، كقول بعضهم:
رمتنا يد الأيام عن قوس خطبها ... بسبع وهل ناج من السبع سالم:
غلاء وغارات وغزوة وغربة ... وغم وغدر ثم غبن ملازم!
وكقول أبن التعاويذي:
إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة ... فبادر فما التأخير عنه صواب:
شواء وشمام وشهد وشادن ... وشمع وشاد مطرب وشراب!
وقول الآخر:
عجل إلي فعندي سبعة كملت ... وليس فيها اللذات أعوان:
طار وطبل وطنبور وطاس طلا ... وطفلة وطباهيج وطنان
وقوله:
جاء الخريف وعندي من حوائجه ... سبع بهن قوام السمع والبصر:
موز ومن ومحبوب ومائدة ... ة مسمع ومدام طيب ومري
وقول الصفدي:
إذا تبين لي في مصر واجتمعت ... سبع فإني في اللذات سلطان:
خدر وخمر وخاتون وخادمها ... وخلسة وخلاعات وخلان
وقوله:
ثمانية إنَّ يسمح الدهر لي بها ... فليس عليها بعد ذلك مطلوب:
مقام ومشروب ومزح ومأكل ... ومله ومشموم ومال ومحبوب
وقوله:
إلى متى أنا لا انفك في بلدٍ ... ورهن جيمات جورٍ كلها عطب:
الجوع والجري والجريان والجدري ... والجهل والجبن والجرذان والجرب؟
وقول الآخر:
إذا كان في اسم المرء شين هوت به ... إلى الشر فليحذر أذاه المحاذر:
شريف وشيعي وشيخ وشاهد ... وشمر وشريب وشرح وشاعر
سوى الشافعي أو شاهد راق حسنه ... كذا الشهداء المتقون وشاكر
وهذه الأشعار، كما ترى، الكثير من أصحابها يقصد إلى إحراز غرض يفوته أغراض، فتجده إذا وفى بذلك الغرض تعلل به ولم يتحرز عن اللفظ الخسيس، ولا عن المقصد السقيم، ولا عن التركيب المختل، والسبك الركيك والحشو، وغير ذلك مما ينبئ إنَّ قائله متكلف رازم العارضة لين الجلدة، غير مطبوع.
وقال أعرابي يهجو قوما من طيء:
ولمّا أن رأيت بني خريقٍ ... جلوسا ليس بينهم جليس
يئست من التي أقبلت أبغي ... لديهم إنني رجل يؤوس
إذا ما قلت: أيهم لأي ... تشابهت المناكب والرؤوس!
قوله: ليس بينهم جليس، أي لا ينتجع الناس معروفهم فليس فيهم غيرهم وهذا من أقبح الهجو.
وقال أبو بكر الخوارزمي:
يا من يحاول صرف الراح يشربها ... ولا يفك لمّا يلقاه قرطاس
الكأس والكيس لم يقض امتلاؤهما ... ففرغ الكيس حتى تملأ الكاسا!
وقال عمرو بن معدي كرب:
أتوعدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس؟
فلا تفخر بملكك، كل ملك ... يصير لذلةٍ بعد الشماس!
ولنكتف بهذا القدر من هذا الباب! والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.









مصادر و المراجع :

١- زهر الأكم في الأمثال والحكم

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید