المنشورات
أشأم من بني بسوس.
ويقال أشام من البسوس. والبسوس أيضاً اسم امرأة من العرب، وهي خالة جساس بن مرة. وكان لمرة هذا عشرة من الولد، منهم جساس، ونضلة والحارث وهمام بنو مرة وهم من بني بكر بن وائل. وكان كليب بن ربيعة التغلبي من العزة والشرف في وائل بالمحل الذي لم يدرك وكان تحت كليب جليلة بنت مرة أخت جساس وكان لكليب حمى حماه لا يقربه أحد. ثم إنَّ جساس جاءته خالته البسوس فنزلت عليه، وكان لها أبن، وناقة يقال لها سراب بفصيلها. فدخلت سراب حمى كليب، فوجدها فيه وقد كسرت بيض حمر قد أجارها. فرماها بسهم فأصاب ضرعها. ويقال إنّه سأل عن الناقة فقيل له إنّها لخالة جساس، فقال: أو يبلغ من قدره إنَّ يجير دون إذني؟ وكان لا يجير أحد إلاّ بإذن كليب. فقال: يا غلام، ارم ضرعها! فرماه بسهم وقتل فصيلها، ونفى ابل جساس عن المياه وطردها على شبيث والاحص، وهما ماءان، حتى بلغ غدير الذئاب، فجاء جساس فقال: نفيت عن المياه مالي حتى تهلكه! فقال كليب: أنا للمياه شاغلون فقال استحللت تلك الإبل! فعطف عليه جساس فرسه فطعنه. فلما أحس بالموت قال: يا جساس، اسقني ماء! فقال: تجاوزت شبيبا والأحص! وآحتز رأسه وجاء مسرعا. فقالت أخته لأبيه: إنَّ جساس جاء خارجة ركبتها. فقال: والله وا خرجتا إلاّ لأمر! فلما بلغه قال: ما وراءك؟ قال: طعنت طعنت لتشغلن شيوخ وائل رقصا! قال: فتلت كليباً؟ قال: نعم! قال: وددت انك وأخوتك متم قبل هذا! ما بنا إلاّ أنَّ تتشاءمنا وائل! ثم لقيه أخوه نضلة فقال:
وإني قد جنيت عليك حربا ... تغيض الشيخ بالماء القراح
فأجابه نضلة:
فإنَّ تك قد جنيت علي حربا ... فلا وانٍ ولا رث السلاح
وكان أخوه همام قد آخى مهلهلا، أخا كليب، وعاهده إلاّ يكتمه شيئاً. فجاءته أمه له وعنده مهلهل، فأسرت إليه الخبر. فقال الملهل: ما قالت؟ فلم يخبره، فذكر العهد فقال أخبرت أنَّ جساسا قتل أخاك كليبا. فقال: أست أخيك أضيق من ذلك! فقال مهلهل في ثأر أخيه، واجتمعت أشراف تغلي وأتوا مرة فتكلموا في القصاص من جساس وإخوانه. فذهب مرة إلى الدية فغضبت تغلب ووقعت الحرب بينهم أربعين سنه حتى ضربت بها العرب المثل الشؤم والشدة. وهي التي يقال لها حرب البسوس. ومن جملة ما وقع بينهم خمس وقائع عظام، أولاها يوم عنيزة، وهو المذكور في قصيدة مهلهل الرائية المشهورة، حيث قال:
كأنا غدوة وبني أبينا ... ببطن عنيزة رحيا مدير وآخرها قتل جساس بن مرة. وكان سبب قتله أنَّ نساء تغلب لمّا اجتمعن للمأتم على كليب، قلن لأخت كليب: رحلي جليلة عن مأتمك، فإنَّ قيامها عار علينا وشماتة بنا! فقالت لها: اخرجي يا هذه عن مأتمنا، فإنك شقيقة قاتلنا! فرحلت وهي حامل. فولدت غلاما وسمته هرجسا، ورباه جساس، فكان لا يعرف أبا غيره، فزوجه ابنته. فوقع يوما بينه وبين بكري كلام، فقال البكري: ما أنت بمنته حتى الحقك بأبيك فأمسك عنه ودخل إلى أمه فسألها الخبر. فلما أوى إلى فراشه وضع أنفه بين ثديي زوجته وتنفس تنفسة نفط ما بين ثدييها من حرارتها. فقامت الجارية فزعة ودخلت إلى أبيها فأخبرته فقال: ثائر ورب الكعبة! فلما أصبح أرسل إلى الهجرس فأتاه فقال: إنما لأنت ولدي ومعي وقد كانت الحرب في أبيك زمنا طويلا حتى تفانيا وقد اصطلحنا الآن. فانطلق معي حتى نأخذ عليك ما أخذ علينا! فقال: نعم ولكن مثلي لا يأتي قومه إلاّ بسلاح! فأتيا جماعة من قومهما فقص عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العافية ثم قال: هذا أبن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه. فلما قربوا الدم أخذ بوسط رمحه وقال: وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه ودرعي وزريه! لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه. ثم طعن جساسا فقتله ولحق بقومه. فكان آخر قتيل نتهم.
وفي هذه القصة اضطراب كغيرها من الحكايات الجاهلية.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
3 مايو 2024
تعليقات (0)