المنشورات
شوى في الحريق سمكته.
والحريق اسم من الاحتراق؛ والسمكة: الحوتة وهي إنّما تشوى في النار القوية وفي اللهب ما دام؛ فإذا سكن تعب في شيها.
فيضرب ذلك مثلا لقضاء الحاجة من القاضي ما دام غضبه للكرام بتحريكه للنوال بالشعر وانتهاز الفرصة منه قبل سكون غضبه فقد لا يوجد إذ ذاك.
وإذ فرغنا من الأمثال المنثورة فلنذكر ما تسمى من الشعرية.
قال الشاعر:
لقد كثر الظباء على خداشٍ
وهذا المثل مشهور ويمام البيت:
فما يدري خداشٌ ما يصيدُ
غير أنه إذا تمم خروج عن هذا الباب.
وقال بعض الوعاظ مضمنا لهذا المثل في ذم الدنيا:
يا راكضاً في طلاب دنيا ... ليس لمن تصرعُ انتعاشُ
تنح يا عرضة لرامٍ ... أسهمه بالردي تراشُ
لا تغش ناراً " " لظاها ... بمن له نحوها انحياشُ!
أعذر منك الفراش حالاً ... علمت ما يجهل الفراشُ
تطلبها لا تنام عينٌ ... عنها ولا يستقر جاشُ
من كل بالري من شرابٍ ... يشتد من شربه العطاشُ؟
دعها فطلابها رعاعٌ ... طاشت بألبابهم فطاشوا
وأظمأ لتروى وكن كقومٍ ... ماتوا بها عفةً فعاشوا!
لم يردوها فهم رواءٌ ... وواردوها هم العطاشُ
كأنَّ المنايا ظباءٌ ... وأنت من حيرةٍ خداشُ
إنَّ لأيامنا انبساطاً ... به لأعمارنا انكماشُ
كأنَّ آجالنا صقورٌ ... ونحن من تحتها خشاشُ
وقال الآخر:
ما لقوي عن ضعيفٍ غنى ... لا بد للسهم من الريش!
وقال أبو الطيب:
ونهب نفوس أهل النهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش
وقال الآخر:
وقد كنت مركبكم في الصدور ... فصرت بها ملحقاً في الحواش
وقال سابق البربري:
فلا تخبر بسرك كل سرٍّ ... إذا ما جاوز الاثنين جاشا!
والاثنتين هنا الشفتين.
ومثله عند عضهم قول الآخر:
إذا جاوز الاثنين سرٌ فانه ... ببثٍّ وإفشاء الحديث قمينُ
وقال القائم بأمر الله أحد ملوك بني العباس:
القلب من خمر التصابي منتشٍ ... هل لي غديرٌ من شرابٍ معطشِ؟
والنفس من برح الهوى مقتلةٌ ... ولكم قتيلٍ في الهوى لم ينعشِ!
جمعت عليَّ من الغرام عجائبٌ ... خلفن قلبي في إسارٍ موحشِ
خلٌ يصد وعاذلٌ متنصحٌ ... ومنازعٌ يغري ونمامٌ يشي
غيره:
إذا الواشي بغى يوماً صديقاً ... فلا تدع الصديق لقول واشِ!
وقلت أنا:
ولائمةٍ هبت بليلٍ تلومني ... وثوب الدجى ما للصبح به نقشُ
وليس لديباجِ السماء الذي سما ... علينا سوى ترقيش أنعمه رقشُ
وقد جبت آفاقها فكأنها ... من السندس الخضر السرادق والعرشُ
كأنَّ النجوم الزهر في جنباتها ... وجوهٌ زهتهن الملاحة والبشُ
تلوم على أن لم تر الدهر مسعداً ... مناي وصرف الدهر ليس له حفشُ
وأشجى حشاها أن تبدى بعاتقي ... لأنيابه عضٌ وفي عضدي نهشُ
وأن تفضي من رزاياه طارفي ... وأن قد جرى منه على أعضمي محشُ
فباتت يناجيها الأسى ويجيشها ... إليَّ تناجيني ويغلبها الجهشُ
وتمحضني منها تخالُ نصيحةً ... ولم تدر أنَّ النصح آونةً غشُ
تقول: التجئ للمترفين فإنه ... إلى نارهم من نابه دهره يعشو
فقالت لها إذ كان زوراً مقالها ... مقالة شهمٍ ليس في قيله رفشُ
هو الدهر ما يبقى على متخشعٍ ... جزوعٍ ولا يرثي لشاكٍ إذا يشطو
وأحداثه تجري فمن ذي هوادةٍ ... أليفٍ وذي شحناء أخذته بطشُ
وما الدهر إلاّ واديان فمعشٌ ... أنيس لمرادٍ وذو جردٍ وحشُ
وداران دارٌ ذات نعمى هنيئةٍ ... وفرشٍ وأخرى لا نعيمٌ ولا فرشُ
ويومان يومٌ أنت فيه متوجٌ ... على العرش أو يومٌ به حسبك الفرشُ
وما المال إلاّ مزن صيفٍ وقلما ... يدوم ويجدي للصدى ذلك الطشُ
وليلة سارٍ بينما هو مقمرٌ ... بصحراء غاب البدر فاستوسق الغبشُ
وليس الفتى من ليس يبرح ضارعاً ... هلوعاً إذا يرمه من دهره خدشُ
كئيبٌ بئيسٌ إن عرته ملمةٌ ... وتغشاه إن أثرى الشراسة والفحشُ
سؤولٌ لما وافى منوعٌ لمّا حوى ... ودودٌ لمن أثرى بغيضٌ لمن يغشو
عزيزٌ على المولى ذليلٌ على العدا ... عبوسٌ إذا يسمو طليقٌ إذا يلشو
ولكن من إن ناله لا شباته ... تفل ولا في حزمه يدرك النفشُ
ضنينٌ بماء الوجه لا يستثيره ... إلى مطمعٍ في غير خالقه حرشُ
صبورٌ على علاته متجرعٌ ... دوين الهوان ما تهرعه الرقشُ
عليمٌ بأن النائبات إذا عرت ... فملجؤها السامي بسلطانه العرشُ
هو المرتجى في فتح ما كان مرتجا ... وتنوير ما أمسى به أظلم الغطشُ
وثيقٌ بهذا لا تلين صفاته ... إذا قرعت أحشاءه النوب المحشُ
قريبٌ من المولى صفيٌ إذا اعتنى ... ومبتعدٌ عنه إذا مسه خيشُ
فلا عرضه يبلى ولا حزمه يهي ... ولا وهنه يبدو ولا سره يفشو
فذلك ما عاش السميُّ مكانه ... وأخلق بأن يسمو إذا حفه النعشُ
قوله: السرادق والعرش، السرادق: البيت من الكرسف والذي يمد فوق صحن الدار؛ والعرش: الخيمة وسقف البيت وما يستظل به.
والبش والبشاشة: طلاقة الوجه.
والنقربات: الخيل تقرب مرابطها.
والبرش في شعر الفرس نكت صغار تخالف سائر لونه.
والخفش: الطرد والمحش: قشر الجلد من اللحم وشدة الأكل.
والجهش: الفزع يقال: جهش إليه جهشاً إذا فزع. وهو يريد البكاء كالصبي.
والرفش: الضعف والوهن أو الخلط من قوله: رفشت الشيء إذا دققته وهرسته مجازاً.
والكشو: العض.
والغبش: ظلمة آخر الليل وأثرى الرجل: كثر ماله وغشاه يغشوه وغشيه يغشاه: أتاه.
ولشا الرجل: خس بعد رفعة.
والحرش: التحرك والاصطياد.
ولنكتف بهذا القدر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
مصادر و المراجع :
١- زهر الأكم في الأمثال
والحكم
المؤلف: الحسن بن
مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ)
المحقق: د محمد
حجي، د محمد الأخضر
الناشر: الشركة
الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب
الطبعة: الأولى،
1401 هـ - 1981 م
3 مايو 2024
تعليقات (0)