المنشورات

استنجاز المواعد

كلمات في معنى هذا العنوان
: من أمثالهم في هذا: أنجز حرّ ما وعد.
وقالوا: وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف.
وقال الزّهري: حقيق على من أورق بوعد أن يثمر بفعل.
وقال المغيرة: من أخر حاجة فقد ضمنها.
وقال الموبذان الفارسي: الوعد السحابة، والإنجاز المطر.
وقال غيره: المواعيد رءوس الحوائج والإنجاز أبدانها.
وقال عبد الله بن عمر: خلف الوعد ثلث النفاق، وصدق الوعد ثلث الإيمان، وما ظنّك بشيء جعله الله مدحة في كتابه، وفخرا لأنبيائه، فقال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ
«1» .
لجبار في عامر ابن الطفيل
: وذكر جبار بن سلمى عامر بن الطّفيل فقال: كان والله إذا وعد الخير وفى، وإذا وعد الشر أخلف. وهو القائل:
ولا يرهب ابن العمّ ما عشت صولتي ... ويأمن منّي سطوة المتهدّد «2»
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... ليكذب إيعادي ويصدق موعدي
وقال ابن أبي حازم:
إذا قلت في شيء «نعم» فأتمّه ... فإنّ «نعم» دين على الحرّ واجب
وإلا فقل «لا» تسترح وترح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب
ولو لم يكن في خلف الوعد إلا قول الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ
«3» لكفى.
وقال عمر بن الحارث: كانوا يفعلون ولا يقولون، ثم صاروا يقولون ويفعلون، ثم صاروا يقولون ولا يفعلون، ثم صاروا لا يقولون ولا يفعلون، فزعم أنهم ضنّوا بالكذب فضلا عن الصدق.
وفي هذا المعنى يقول الحسن بن هانىء:
قال لي ترضى بوعد كاذب؟ ... قلت إن لم يك شحم فنفش «1»
ومثله قول عباس بن الأحنف، ويقال إنها لمسلم بن الوليد صريع الغواني:
ما ضرّ من شغل الفؤاد ببخله ... لو كان علّلني بوعد كاذب «2»
صبرا عليك فما أرى لي حيلة ... إلّا التّمسّك بالرجاء الخائب
سأموت من كمد وتبقى حاجتي ... فيما لديك ومالها من طالب
بين عبد الملك وابن أم الحكم
: قال عبد الرحمن بن أم الحكم لعبد الملك بن مروان في مواعيد وعدها إياه فمطله «3» بها: نحن إلى الفعل أحوج منا إلى القول، وأنت بالإنجاز أولى منك من المطل، واعلم أنك لا تستحق الشكر إلا بإنجازك الوعد واستتمامك المعروف.
بين عيسى بن موسى وابن معن
: القاسم بن معن المسعودي قال: قلت لعيسى بن موسى: أيها الأمير، ما انتفعت بك منذ عرفتك، ولا أوصلت لي خيرا منذ صحبتك. قال: ألم أكلّم لك أمير المؤمنين في كذا وأسأله لك كذا؟ قال: قلت: بلى، فهل استنجزت ما وعدت، واستتممت ما بدأت؟ قال: حال من دون ذلك أمور قاطعة، وأحوال عاذرة. قلت: أيها الأمير، فما زدت على أن نبّهت العجز من رقدته، وأثرت الحزن من ربضته، إنّ الوعد إذا لم يشفعه إنجاز يحقّقه، كان كلفظ لا معنى له، وجسم لا روح فيه.
وقال عبد الصمد بن الفضل الرقاشي لخالد بن ديسم عامل الرّي:
أخالد إن الريّ قد أجحفت بنا ... وضاق علينا رحبها ومعاشها
وقد أطمعتنا منك يوما سحابة ... أضاءت لنا برقا وأبطا رشاشها
فلا غيمها يصحو فييئس طامعا ... ولا ماؤها يأتي فتروى عطاشها
بين بشار وسلم
: وقال سعيد بن سلم: وعد أبي بشارا العقيلي حين مدحه بالقصيدة التي يقول فيها:
صدّت بخدّ وجلت عن خدّ ... ثم انثنت كالنّفس المرتدّ «1»
فكتب إليه بشار بالغد:
ما زال ما منّيتني من همّي ... الوعد فأرح من غمّي
إن لم ترد مدحي فراقب ذمّي
فقال له أبي: يا أبا معاذ، هلا استنجزت الحاجة بدون الوعيد! فإذا لم تفعل فتربّص ثلاثا وثلاثا؛ فإني والله ما رضيت بالوعد حتى سمعت الأبرش الكلبي يقول لهشام: يا أمير المؤمنين؛ لا تصنع إليّ معروفا حتى تعدني؛ فإنه لم يأتني منك سيب «2» على غير وعد إلا هان عليّ قدره وقلّ مني شكره. فقال له هشام: لئن قلت ذلك لقد قاله سيد أهلك أبو مسلم الخولاني: «إن أوقع المعروف في القلوب، وأبرده على الأكباد معروف منتظر، بوعد لا يكدّره المطل» .
يحيى بن خالد وقضاء الحوائج
: وكان يحيى بن خالد بن برمك لا يقضي حاجة إلا بوعد، ويقول: من لم يبت على سرور الوعد لم يجد للصنيعة طعما.
وقالوا: الخلف ألأم من البخل لأنه من لم يفعل المعروف لزمه ذمّ اللؤم وحده، ومن وعد وأخلف لزمه ثلاث مذمّات: ذمّ اللؤم، وذمّ الخلف، وذمّ الكذب.
وقال زياد الأعجم:
لله درّك من فتى ... لو كنت تفعل ما تقول
لا خير في كذب الجوا ... د وحبّذا صدق البخيل
استبطأ حبيب الطائي الحسن بن وهب في عدة وعدها إياه، فكتب إليه أبياتا يستعجله بها؛ فبعث إليه بألف درهم وكتب إليه:
أعجلتنا فأتاك عاجل برّنا ... قلّا ولو أخّرته لم يقلل
فخذ القليل وكن كمن لم يسأل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل
ابن دأب عند المهدي
: وقال عبد الملك بن مالك الخزاعي: دخلت على أمير المؤمنين المهدي وعنده ابن دأب وهو ينشد قول الشماخ:
وأشعث قد قدّ السّفار قميصه ... يجرّ شواء بالعصا غير منضج «1»
دعوت إلى ما نابني فأجابني ... كريم من الفتيان غير مزلّج»
فتى يمريء الشّيزى ويروي سنانه ... ويضرب في رأس الكميّ المدجّج «3»
فتى ليس بالرّاضي بأدني معيشة ... ولا في بيوت الحيّ بالمتولّج
فرفع المهديّ رأسه إليّ وقال: هذه صفتك أبا العباس. فقلت: بك نلتها يا أمير المؤمنين. قال: فأنشدني. فأنشدته قول المسموءل:
إذا المرء لم يدنس من الّلؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها ... فليس إلى حسّن الثّناء سبيل «4»
إذا المرء أعيته المروءة يافعا ... فمطلبها كهلا عليه ثقيل «5»
تعيّرنا أنا قليل عدادنا ... فقلت لها إنّ الكرام قليل
وما ضرّنا أنّا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
ونحن أناس لا نرى القتل سبّة ... إذا ما رأته عامر وسلول «6»
يقترب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منّا سيّد حتف أنفه ... ولا طلّ منّا حيث كان قتيل «1»
تسيل على حدّ السّيوف نفوسنا ... وليست على غير السّيوف تسيل
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعدّ بخيل «2»
وأسيافنا في كلّ شرق ومغرب ... بها من قراع الدارعين فلول «3»
فقال: أحسنت، اجلس، بهذا بلغتم، سل حاجتك. قلت: يا أمير المؤمنين، تكتب لي العطاء ثلاثين رجلا من أهلي. قال: نعم، عليّ إذا وعدت، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنك متمكّن من القدرة وليس دونك حاجز عن الفعل؛ فما معنى العدة؟
فنظر إلى ابن دأب يريد منه كلاما في فضل الموعد، فقال ابن دأب:
حلاوة الفعل بوعد ينجز ... لا خير في العرف كنهب ينهز «4»
فضحك المهدي وقال:
الفعل أحسن ما يكو ... ن إذا تقدّمه ضمان
للمهلب يوصي بنيه
: وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه: يا بنيّ، إذا غدا عليكم الرجل وراح مسلّما فكفى بذلك تقاضيا.
وقال الشاعر:
أروح بتسليمي عليك وأغتدي ... وحسبك بالتّسليم منّي تقاضيا
وقال آخر:
كفاك مخبرا وجهي بشاني ... وحسبك أن أراك وأن تراني
وما ظنّي بمن يعنيه أمري ... ويعلم حاجتي ويرى مكاني
وكتب العتابي إلى بعض أهل السلطان: أما بعد؛ فإن سحاب وعدك قد أبرقت، فليكن وبلها سالما من علل المطل. والسلام.
وكتب الجاحظ إلى رجل وعده: أما بعد فإن شجرة وعدك قد أورقت فليكن ثمرها سالما من جوائح المطل «1» . والسلام.
عبد الله بن طاهر ودعبل
: وعد عبد الله بن طاهر دعبلا بغلام، فلما طال عليه تصدّى له يوما وقد ركب إلى باب الخاصّة، فلما رآه قال: أسأت الاقتضاء، وجهلت المأخذ، ولم تحسن النظر، ونحن أولى بالفضل؛ فلك الغلام والدابة متى ننزل إن شاء الله تعالى. فأخذ بعنانه دعبل وأنشده:
يا جواد الّلسان من غير فعل ... ليت في راحتيك جود الّلسان
عين مهران قد لطمت مرارا ... فاتّق ذا الجلال في مهران
عرت عينا فدع لمهران عينا ... لا تدعه يطوف في العميان
قال: فنزل له عن دابته، وأمر له بالغلام.
أبان وخلف ابن خليفة
: وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد جارية، فوعده بها وأبطأت عليه، فكتب إليه:
أرى حاجتي عند الأمير كأنّها ... تهمّ زمانا عنده بمقام
وأحصر من إذ كاره إن لقيته ... وصدق الحياء ملجم بلجام
أراها إذا كان النهار نسيئة ... وبالّليل تقضى عند كلّ منام «2»
فياربّ أخرجها فإنك مخرج ... من الميت حيّا مفصحا بكلام
فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها ... وكيف صلاتي عندها وصيامي
وكتب أبو العتاهية إلى رجل وعده بعدة ومطله بها.
لا جعل الله لي إليك ولا ... عندك ما عشت حاجة أبدا
ما جئت في حاجة أسرّ بها ... إلا تثاقلت ثمّ قلت غدا
وكتب دعبل إلى رجل وعده وعدا وأخلفه:
أحسبت أرض الله ضيّقة ... عني فأرض الله لم تضق
وجعلتني فقعا بقرقرة ... فوطئتني وطئا على حنق «1»
فإذا سألتك حاجة أبدا ... فاضرب بها قفلا على غلق
وأعدّ لي غلّا وجامعة ... فاجمع يديّ بها إلى عنقي «2»
ما أطول الدّنيا وأوسعها ... وأدلّني بمسالك الطّرق
لابن عبد ربه
: ومن قولنا في رجل كتب إليّ بعدة في صحيفة ومطلني بها:
صحيفة طابعها الّلوم ... عنوانها بالجهل مختوم
يهدى لها والخلف في طيّها ... والمطل والتّسويف والّلوم
من وجهه نحس ومن قربه ... رجس ومن عرفانه شوم
لا تهتضم إن بتّ ضيفا له ... فخبزه في الجوف هاضوم «3»
تكلمه الألحاظ من رقّة ... فهو بلحظ العين مكلوم «4»
لا تأتدم شيئا على أكله ... فإنه بالجوع مأدوم «5»
وقلت فيه:
صحيفة كتبت ليت بها وعسى ... عنوانها راحة الرّاجي إذا يئسا
وعد له هاجس في القلب قد برمت ... أحشاء صدري به من طول ماهجسا «1»
براعة غرّني منها وميض سني ... حتى مددت إليها الكفّ مقتبسا «2»
فصادفت حجرا لو كنت تضربه ... من لؤمه بعصا موسى لما انبجسا «3»
كأنما صيغ من بخل ومن كذب ... فكان ذاك له روحا وذا نفسا
وقلت فيه:
رجاء دون أقربه السّحاب ... ووعد مثل ما لمع السراب
وتسويف يكلّ الصّبر عنه ... ومطل ما يقوم له حساب «4»
وأيام خلت من كلّ خير ... ودنيا قد توزّعها الكلاب













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید