دون أبي محمد؟ قال: نعم، دون أبي محمد؟ قال عبد الملك للحجاج: قم. فلما خطرف «1» السّتر أقبل عليّ فقال: يا بن طلحة، قل نصيحتك. فقال: تالله يا أمير المؤمنين، لقد عمدت إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه وبعده من الحق وقربه من الباطل، فوليته الحرمين، وهما ما هما، وبهما ما بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي الأخيار، يطؤهم بطغام «2» أهل الشام، ورعاع لا روية لهم في إقامة حق ولا في إزاحة باطل، ويسومهم الخسف، ويحكم فيهم بغير السّنة بعد الذي كان من سفك دمائهم، وما انتهك من حرمهم؛ ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله زاهق، وفيما بينك وبين نبيك غدا إذا جاثاك «3» للخصومة بين يدي الله في أمته. أما والله لا تنجو هنالك إلا بحجة. فاربع «4» على نفسك أودع. فقال له عبد الملك: كذبت ومنت «5» وظنّ بك الحجاج ما لم يجده فيك؛ وقد يظنّ الخير بغير أهله؛ قم فأنت الكاذب المائن. قال:
فقمت وما أعرف طريقا. فلما خطرفت الستر لحقني لاحق فقال: احبسوا هذا، وقال للحجاج: ادخل. فدخل، فمكث مليّا من النهار لا أشك أنهما في أمري، ثم خرج الآذن فقال: ادخل يا بن طلحة. فلما كشف لي الستر لقيني الحجاج وهو خارج وأنا داخل؛ فاعتنقني وقبّل ما بين يعينيّ، وقال: أمّا إذا جزى الله المتواخيين خيرا بفضل تواصلهما، فجزاك الله عني أفضل الجزاء؛ فو الله لئن سلمت لك لأرفعنّ ناظرك، ولأعلينّ كعبك، ولأتبعنّ الرجال غبار قدميك. قال: فقلت: يهزأ بي وحقّ الكعبة!.
فلما وصلت إلى عبد الملك، أدناني حتى أدناني عن مجلسي الأول؛ ثم قال: يا بن طلحة، لعلّ أحدا شاركك في نصيحتك هذه! قلت: والله يا أمير المؤمنين، ما أعلم أحدا أنصع عندي يدا ولا أعظم معروفا من الحجّاج. ولو كنت محابيا أحدا لغرض دنيا لحابيته. ولكني آثرت الله ورسوله، وآثرتك والمؤمنين عليه. قال: قد علمت أنك لم ترد الدنيا، ولو أردتها لكانت لك في الحّجاج، ولكن أردت الله والدار الآخرة. وقد عزلته عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استقلالا لهما؛ وولّيته العراقين وما هنالك من الأمور التي لا يدحضها إلا مثله، وأعلمته أنك استدعيتني إلى ولايته عليهما استزادة له، لألزمه بذلك من حقّك ما يؤدّي إليك عني اجر نصيحتك. فاخرج معه فإنك غير ذامّ لصحبته فخرجت مع الحجاج وأكرمني أضعاف إكرامه.
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
تعليقات (0)