المنشورات

الوافدات على معاوية وفود سودة ابنة عمارة على معاوية

عامر الشعبي قال: وفدت سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان، فاستأذنت عليه فأذن لها، فلما دخلت عليه سلّمت عليه، فقال لها: كيف أنت يا بنة الأشتر؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين. قال لها: أنت القائلة لأخيك:
شمّر كفعل أبيك يا بن عمارة ... يوم الطّعان وملتقى الأقران
وانصر عليّا والحسين ورهطه ... واقصد لهند وابنها بهوان
إنّ الإمام أخا النبيّ محمد ... علم الهدى ومنارة الإيمان
فقد الجيوش وسر أمام لوائه ... قدما بأبيض صارم وسنان
قالت: يا أمير المؤمنين، مات الرأس، وبتر الذنب؛ فدع عنك تذكار ما قد نسي. قال: هيهات، ليس مثل مقام أخيك ينسى. قالت: صدقت والله يا أمير المؤمنين، ما كان أخي خفيّ المقام، ذليل المكان، ولكن كما قالت الخنساء:
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنّه علم في رأسه نار
وبالله أسأل يا أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيته. قال: قد فعلت، فقولي حاجتك. قالت: يا أمير المؤمنين، إنك للناس سيد، ولأمورهم مقلّد، والله سائلك عما افترض عليك من حقّنا، ولا تزال تقدم علينا من ينهض بعزّك، ويبسط سلطانك، فيحصدنا حصاد السّنبل، ويدوسنا دياس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسألنا الجليلة؛ هذا ابن أرطاة قدم بلادي، وقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عزّ ومنعة، فإما عزلته فشكرناك، وإما لا فعرفناك! فقال معاوية: إياي تهدّدين بقومك؟ والله لقد هممت أن أردّك إليه على قتب «1» أشرس فينفّذ حكمه فيك. فسكتت، ثم قالت:
صلّى الإله على روح تضمّنه ... قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحقّ لا يبغي به ثمنا ... فصار بالحقّ والإيمان مقرونا
قال: ومن ذلك؟ قالت: علّي بن أبي طالب رحمه الله تعالى. قال: ما أرى عليك منه أثرا! قالت: بلى، أتيته يوما في رجل ولاه صدقاتنا فكان بيننا وبينه ما بين الغثّ «2» والسمين، فوجدته قائما يصلي، فانفتل من الصلاة ثم قال برأفة وتعطّف: ألك حاجة؟ فأخبرته خبر الرجل. فبكى، ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم إني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا ترك حقّك. ثم أخرج من جيبه قطعة من جراب فكتب فيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
... قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ
... وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
«3» . إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك حتى يأتي من يقبضه منك. والسلام.
فعزله يا أمير المؤمنين. ما خزمه بخزام «4» ، ولا ختمه بختام.
فقال معاوية: اكتبوا لها بالإنصاف لها والعدل عليها. فقالت: ألي خاصّة أم لقومي عامة؟ قال: وما أنت وغيرك؟ قالت: هي والله إذا الفحشاء واللؤم، إن لم يكن عدلا شاملا، وإلا يسعني ما يسع قومي. قال: هيهات! لمّظكم «1» ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئا ما تفطمون، وغركم قوله:
فلو كنت بوّابا على باب جنّة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وقوله:
ناديت همدان والأبواب مغلقة ... ومثل همدان سنّى فتحة الباب «2»
كالهندوانيّ لم تفلل مضاربه ... وجه جميل وقلب غير وجّاب «3»
اكتبوا لها بحاجتها.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید