المنشورات

وفود أم سنان بنت خيثمة على معاوية رحمه الله

سعيد بن حذافة قال: حبس مروان بن الحكم هو والي المدينة غلاما من بني ليث في جناية جناها، فأتته جدة الغلام أمّ أبيه، وهي أم سنان بنت خيثمة بن خرشة المذحجية، فكلّمته في الغلام فأغلظ لها مروان. فخرجت إلى معاوية، فدخلت عليه فانتسبت فعرفها، فقال لها: مرحبا يا بنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تشتميننا وتحضّين علينا عدوّنا؟ قالت: إن لبنى عبد مناف أخلاقا طاهرة وأعلاما ظاهرة وأحلاما وافرة، لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا ينتقمون بعد عفو، وإن أولى الناس بالتباع ما سنّ آباؤهم لأنت. قال: صدقت! نحن كذلك، فكيف قولك:
عزب الرّقاد فمقلتي لا ترقد ... والليل يصدر بالهموم ويورد
يا آل مذحج لا مقام فشمّروا ... إنّ العدوّ لآل أحمد يقصد
هذا عليّ كالهلال تحفّه ... وسط السّماء من الكواكب أسعد
خير الخلائق وابن عمّ محمّد ... إن يهدكم بالنّور منه تهتدوا
ما زال مذ شهد الحروب مظفّرا ... والنّصر فوق لوائه ما يفقد
قالت: كان ذلك يا أمير المؤمنين، وأرجو أن تكون لنا خلفا بعده فقال رجل من جلسائه: كيف يا أمير المؤمنين وهي القائلة:
إمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل ... بالحقّ تعرف هاديا مهديّا-
فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت ... فوق الغصون حمامة قمريّا
قد كنت بعد محمّد خلفا كما ... أوصى إليك بنا فكنت وفيّا
فاليوم لا خلف يؤمّل بعده ... هيهات نأمل بعده إنسيّا
قالت: يا أمير المؤمنين، لسان نطق، وقول صدق؛ ولئن تحقق فيك ما ظننّا فحظك الأوفر. والله ورّثك الشّنآن «1» في قلوب المسلمين إلّا هؤلاء. فأدحض «2» مقالتهم، وأبعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربا، ومن المؤمنين حبا.
قال: وإنك لتقولين ذلك؟ قالت سبحان الله! والله ما مثلك مدح بباطل. ولا اعتذر إليه بكذب؛ وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا. كان والله عليّ أحبّ إلينا منك، وأنت أحبّ إلينا من غيرك. قال: ممن؟ قالت: من مروان بن الحكم وسعيد ابن العاص. قال: وبم استحققت ذلك عندك؟ قالت: بسعة حلمك وكريم عفوك.
قال: فإنهما يطمعان في ذلك. قالت: هما والله من الرأي على ما كنت عليه لعثمان بن عفان رحمه الله. قال: والله لقد قاربت، فما حاجتك؟
قالت: يا أمير المؤمنين، إن مروان تبنّك «3» بالمدينة تبنّك من لا يريد منها البراح، لا يحكم بعدل، ولا يقضي بسنّة، يتتبع عثرات المسلمين، ويكشف عورات المؤمنين، حبس ابن ابني، فأتيته، فقال كيت وكيت فألقمته أخشن من الحجر،وألعقته أمرّ من الصّاب ثم رجعت إلى نفسي باللائمة، وقلت: لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه؟ فأتيتك يا أمير المؤمنين، لتكون في أمري ناظرا، وعليه معديا.
قال: صدقت! لا أسألك عن ذنبه والقيام بحجته. اكتبوا لها باطلاقه.
قالت: يا أمير المؤمنين؛ وأنّى لي بالرجعة وقد نفد زادي، وكلّت راحلتي؟ فأمر لها براحلة وخمسة آلاف درهم.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید