المنشورات

وفود عكرشة بنت الأطرش على معاوية رحمه الله تعالى

أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال: دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة على معاوية متوكّئة على عكاز لها، فسلّمت عليه بالخلافة ثم جلست؛ فقال لها معاوية: الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين؟ قالت: نعم، إذ لا عليّ حيّ قال: ألست المقلّدة حمائل السيوف بصفّين، وأنت واقفة بين الصّفين تقولين: أيها الناس، عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم إن الجنة لا يرحل عنها من أوطنها، ولا يهرم من سكنها، ولا يموت من دخلها؛ فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها، ولا تنصرم همومها، وكونوا قوما مستبصرين في دينهم مستظهرين بالصبر على طلب حقهم؛ إن معاوية دلف «1» إليكم بعجم العرب غلف «2» القلوب، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة؛ دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبّوه، فالله الله عباد الله في دين الله؛ إياكم والتواكل، فإن ذلك ينقض عرى الإسلام، ويطفيء نور الحق هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى. يا معشر المهاجرين والأنصار، امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأني بكم غدا ولقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة تصقع «3» صقع البقر، وتروث روث العتاق.
فكأني أراك على عصاك هذه وقد انكفأ عليك العسكران يقولون: هذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة. فإن كدت لتقتلين أهل الشام لولا قدر الله، وكان أمر الله قدرا مقدورا، فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
«1» وإن اللبيب إذا كره أمرا لا يحب إعادته، قال: صدقت، فاذكري حاجتك. قالت: إنه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتردّ على فقرائنا؛ وإنّا قد فقدنا ذلك، فما يجبر لنا كسير؛ ولا ينعش لنا فقير؛ فإن كان ذلك عن رأيك فمثلك تنبّه من الغفلة وراجع التوبة، وإن كان عن غير رأيك فما مثلك استعان بالخونة ولا استعمل الظّلمة.
قال معاوية: يا هذه، إنه ينوبنا من أمور رعيّتنا أمور تنبثق، وبحور تنفهق «2» .
قالت: يا سبحان الله. والله ما فرض الله لنا حقا فجعل فيه ضررا على غيرنا، وهو علام الغيوب.
قال معاوية: يا أهل العراق، نبّهكم عليّ بن أبي طالب فلم تطاقوا! ثم أمر بردّ صدقاتهم فيهم وإنصافهم.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید