قال إسماعيل: وحدثني عبد الله بن واقد قال: حدثني يزيد بن أبي فروة مولى بني أمية قال: لما أتي يزيد برأس الوليد بن يزيد، قال لي: انصبه للناس. قلت، لا أفعل:
إنما ينصب رأس الخارج. فحلف لينصبن ولا ينصبه غيري؛ فوضع على رمح ونصب على درج مسجد دمشق؛ ثم قال: اذهب فطف به في مدينة دمشق.
خليفة بن خياط قال: حدثني الوليد بن هشام عن أبيه قال: لما أحاطوا بالوليد أخذ المصحف وقال: أقتل كما قتل ابن عمي عثمان.
أبو الحسن المدائني قال: كان الوليد صاحب لهو وصيد وشراب ولذات، فلما ولي الأمر جعل يكره المواضع التي يراه الناس فيها؛ فلم يدخل مدينة من مدائن الشام حتى قتل، ولم يزل ينتقل ويتصيد حتى ثقل على الناس وعلى جنده، واشتد على بني هشام وأضرّ بهم، وضرب سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغرّبه إلى عمان، فلم يزل محبوسا حتى قتل الوليد؛ وحبس يزيد بن هشام وهو الأفقم؛ فرماه بنو هشام وبنو الوليد، وكان أشدّهم قولا فيه يزيد بن الوليد وكان الناس إلى قوله أميل؛ لأنه كان يظهر النسك.
ولما دفع الوليد خالد بن عبد الله القسري إلى يوسف بن عمر فقتله، غضب له اليمانية وغيرهم؛ فأتت يزيد بن الوليد بن عبد الملك، فأرادوه على البيعة وخلع الوليد، فامتنع عليهم وخاف أن لا تبايعه الناس؛ ثم لم يزل الناس به حتى بايعوه سرا.
ولما قتل الوليد بن يزيد قام يزيد بن الوليد خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا «1» ، ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك؛ وما بي إطراء نفسي، ولا تزكية عملي، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي؛ ولكني خرجت غضبا لله ودينه، وداعيا إلى كتاب الله وسنة نبيه، حين درست «2» معالم الهدى، وطفيء نور أهل التقوى؛ وظهر الجبان العنيد، المستحل للحرمة، والراكب للبدعة، والمغيّر للسنة؛ فلما رأيت ذلك أشفقت إن غشيتكم ظلمة لا تقلع عنكم، على كثرة من ذنوبكم، وقسوة من قلوبكم؛ وأشفقت أن يدعو كثيرا من الناس إلى ما هو عليه، فيجيبه من أجابه منكم؛ فاستخرت الله في أمري، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهلي وأهل ولايتي- وهو ابن عمي في نسبي، وكفئي في حسبي- فأراح الله منه العباد، وطّهر منه البلاد، ولاية من الله وعونا، بلا حول [منا] ولا قوة، ولكن بحول الله وقوته وولايته وعونه.
أيها الناس، إن لكم عليّ إن وليت أموركم، أن لا أضع لبنة على لبنة «3» ، ولا حجرا على حجر، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسدّ ثغره، وأقسم بين أهله ما يقوون به؛ فإن فضل رددته إلى أهل البلد الذي يليه ومن هو أحوج إليه؛ حتى تستقيم المعيشة بين المسلمين وتكونوا فيه سواء؛ ولا أجمّركم «4» في بعوثكم فتفتنوا ويفتن أهاليكم؛ فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم به، وإن ملت فلا بيعة لي عليكم، وإن رأيتم أحدا هو أقوى عليها مني فأردتم بيعته فأنا أول من بايع ودخل في طاعته؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وقال خلف بن خليفة في قتل الوليد بن يزيد: لقتل خالد بن عبد الله:
لقد سكّنت كلب وأسياف مذحج ... صدى كان يزقو ليله غير راقد «1»
تركنا أمير المؤمنين بخالد ... مكبّا على خيشومه غير ساجد «2»
فإن تقطعوا منا مناط قلادة ... قطعنا بها منكم مناط قلائد
وإن تشغلونا عن أذان فإنّنا ... شغلنا الوليد عن غناء الولائد
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
تعليقات (0)