المنشورات

البنيان

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من بني بنيانا فليتقنه» .
وقالت الحكماء: لذة الطعام والشراب ساعة، ولذة الثوب يوم، ولذة المرأة شهر، ولذة البنيان دهر، كلما نظرت إليه تجددت لذته في قلبك، وحسنه في عينك.
وقالوا: دار الرجل جنته في الدنيا.
وقالوا: ينبغي للدار أن تكون أول ما يبتاع وآخر ما يباع.
يحيى وابنه جعفر
: وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر بن يحيى حين اختط داره ليبنيها: هي قميصك إن شئت فضيق وإن شئت فوسع.
الرشيد وعبد الملك
: وقال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح: كيف منزلك بمنبج؟ قال دون منازل أهلي، وفوق منازل أهلها. قال: وكيف ذلك وقدرك فوق أقدارهم؟ قال: ذلك خلق أمير المؤمنين أحتذي مثاله.
الرشيد وابن صالح
: ولما دخل هارون منبجا قال لعبد الملك بن صالح: هذا منزلك؟ قال: هو لأمير المؤمنين ولي به! قال: كيف ماؤه؟ قال: أطيب ماء. قال: كيف هواؤه؟ قال: أفسح هواء.
وذكر عند جعفر بن يحيى الدار الفسيحة الجوّ الطيبة النسيم، فقال رجل عنده: لقد دخلت الطائف فكأني كنت أبشر، وكان قلبي ينضج بالسرور، ولا أجد لذلك علة إلا طيب نسيمها وانفساح هوائها.
وقيل للحسن بن سهل: كيف نزلت الأطراف؟ قال: لأنها منازل الأشراف، ينالون فيها ما أرادوا بالقدرة؛ وينالهم فيها من أرادهم بالحاجة.
قولهم في الدار الضيقة
ما هي إلا قرار حافر؛ وما هي إلا وجار «1» ضبع، وما هي إلا قترة قانص؛ وما هي إلا مفحص «2» قطاة.
وقالوا: ما هي إلا حملة يعسوب «3» برأس سنان.
ومن مات في دار ضيقة قيل فيه: خرج من قبر إلى قبر.
من كره البنيان
كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء بيته، فقال: ابن ما يكنك عن الهواجر وأذى المطر.
وكتب عامل لعمر بن عبد العزيز يستأذنه في بناء مدينة، فكتب إليه: ابنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظلم.
ومر عمر بن الخطاب ببناء يبنى بآجر وجص؛ فقال: لمن هذا؟ فقيل: لعامل من عمالك. فقال: أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها! وأرسل إليه من يشاطره ماله.
وقيل ليزيد بن المهلب: مالك لا تبني؟ قال: منزلي دار الإمارة أو الحبس! ومر رجل من الخوارج بدار تبنى فقال: من هذا الذي يقيم كفيلا؟ والخوارج تقول: كل مال لا يخرج بخروجك ويرجع برجوعك فإنما هو كفيل بك.
ولما بنى أبو جعفر داره بالأنبار، دخلها مع عبد الله بن الحسن، فجعل يريه بنيانه فيها وما شيد من المصانع والقصور؛ فتمثل عبد الله بن الحسن بهذه الأبيات:
ألم تر حوشبا أضحى يبنّي ... قصورا نفعها لبني بقيله؟
يؤمّل أن يعمر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كلّ ليله!
وقالوا في الحجاج بن يوسف إذ بنى مدينة واسط: بناها في غير بلده، وأورثها غير ولده.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید