المنشورات

طباع الإنسان وسائر الحيوان

زعم علماء الطب أن في الجسد من الطبائع الأربع اثني عشر رطلا: فللدم منها ستة أرطال، وللمرّة الصفراء والسوداء والبلغم ستة أرطال؛ فإن غلب الدم الثلاث طبائع تغير منه الوجه وورم، ويخرج ذلك إلى الجذام؛ وإن غلب الثلاث طبائع الدم انبث المد، فإذا خاف الإنسان غلبة هذه الطبائع بعضها بعضا فليعدل جسده بالافتصاد، وينقيه بالمشي؛ فإن لم يفعل اعتراه ما وصفنا؛ إمّا جذام «1» وإما مدّ» .
أسأل الله العافية.
ولا بأس بعلاج الجسد في جميع الأزمان، إلا في النصف من تموز إلى النصف من آب؛ فذلك ثلاثون يوما لا يصلح فيها علاج، إلا أن ينزل مرض لا بدّ من مداواته.
جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم قال: الغلام يشب كل سنة أربع أصابع.
في التوراة
: حدّثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب بن منبه، أنه قرأ في التوراة أن الله عز وجل حين خلق آدم ركب جسده من أربعة أشياء، ثم جعلها وراثة في ولده تنمى في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة: رطب ويابس، وسخن، وبارد؛ قال: وذلك أني خلقته من تراب وماء، وجعلت فيه نفسا [وروحا] ؛ فيبوسة كل جسد من قبل التراب، ورطوبته من قبل الماء، وحراراته من قبل النفس، وبرودته من قبل الروح؛ ثم خلقت للجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع أخر، وهي ملاك الجسد وقوامه بإذني، لا يقوم الجسد إلا بهن، ولا تقوم واحدة إلا بالأخرى: المرّة السوداء، والمرة الصفراء، والدم الرطب الحار، والبلغم البارد؛ ثم أسكنت بعض هذا الخلق في بعض، فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء، ومسكن الرطوبة في الدم، ومسكن البرودة في البلغم، ومسكن الحرارة في المرة الصفراء؛ فأيما جسد اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع وكانت كل واحدة فيه وفقا لا تزيد ولا تنقص، كملت صحته، واعتدلت بنيته؛ وإن زادت واحدة منهن غلبتهن وقهرتهن ومالت بهن، ودخل على أخواتها السقم من ناحيتها بقدر ما زادت،؛ وإن كانت ناقصة عنهن؛ ملن بها وعلونها وأدخلن عليها السقم من نواحيهن، لقلتها عنهن حتى تضعف عن طاقتهن وتعجز عن مقاومتهن.
قال وهب بن منبه: وجعل عقله في دماغه، وشرهه في كليته، وغضبه في كبده، وصرامته في قلبه، ورعبه في رئته، وضحكه في طحاله، وحزنه وفرحه في وجهه؛ وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا.
الأصمعي: من لم يخفّ شعره قبل الثلاثين لم يصلع أبدا ومن لم يحمل اللحم قبل الثلاثين لم يحمله أبدا.
للنبي صلّى الله عليه وسلم
: حدث زيد بن أخزم قال: حدثني بشر بن عمر عن أبي الزناد [عن أبيه] عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: «كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب، ومنه خلق ومنه يركّب» .
وقالت الحكماء: الخنث يعتري الأعراب والأكراد والزنج والمجانين وكل صنف، إلا الخصيان؛ فإنه لا يكون خصي مخنّثا.
وقالوا: كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه، إذا خصى نقص ريحه وذهب صنانه، غير الإنسان، فإنه إذا خصى زاد نتنه واشتد صنانه وخبث عرقه وريحه.
قالوا: وكل شيء من الحيوان يخصى فإن عظمه يرق، وإذا رق عظمه استرخى لحمه، إلا الإنسان؛ فإنه إذا خصى طال عظمه وعرض.
وقالوا: الخصي والمرأة لا يصلعان أبدا، والخصي تطول قدمه وتعظم.
وبلغني أنه كان لمحمد بن الجهم برذون «1» رقيق الحافر فخصاه؛ فجاد حافره وحسن.
قالوا: والخصي تلين معاقد عصبه وتسترخي، ويعتريه الاعوجاج والفدع «2» في أصابعه، وتسرع دمعته، ويتخدّد جلده، ويسرع غضبه ورضاه، ويضيق صدره عن كتمان السر.
وزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع كما تطول أعمار البغال.
وقالوا: إن قلة أعمار العصافير من كثرة الجماع.
وقالوا: في الغلمان من لا يحتلم أبدا، وفي النساء من لا تحيض أبدا؛ وذلك عيب.
ومن الناس من لا يسقط ثغره ولا يستبدل منه، منهم عبد الصمد بن علي، ذكروا أنه دخل قبره برواضعه «3» ! وقالوا الضبّ والخنزير لا يلقيان من أسنانهما أبدا.
وقالت الحكماء: إنه ليس شيء من الحيوان يستطيع أن ينظر إلى أديم السماء غير الإنسان، كرمه الله بذلك.
وقالوا: إن الجنين يغتذي بدم الحيض يسيل إليه من قبل السرة؛ ولذلك لا تحيض الحوامل إلا القليل. وقد رأينا من الحوامل من تحيض؛ وذلك لكثرة الدم. وتقول العرب: حملت المرأة سهوا؛ إذا حاضت عليه. وقال الهذلي:
ومبرّإ من كلّ غبّر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل يعني أنها لم تر عليه دم حيض في حملها به.
قالوا: فإذا خرج الولد من الرحم دفعت الطبيعة ذلك الدم الذي كان الجنين يغتذيه إلى الثديين؛ وهما عضوان ناهدان عصبيان يصيّرانه لبنا خالصا سائغا للشاربين.
وقالوا: يعيش الإنسان حيث تعيش النار، ويتلف حيث لا تبقى النار.
وأصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على نفق في بطن الأرض أو مغارة قدّموا شمعة في طرف قناة، فإن عاشت النار وثبتت دخلوا في طلبها، وإلا أمسكوا.
والعرب تتشاءم ببكر ولد الرجل إذا كان ذكرا. وكان قيس بن زهير أزرق بكرا ابن بكرين.
وحدث محمد بن عائشة عن حماد عن قتادة عن عبد الله بن حارث بن نوفل، قال:
بكر البكرين شيطان مخلّد لا يموت إلى يوم القيامة. يعني من الشياطين.
قالوا: وابن المذكّرة من النساء والمؤنث من الرجال أخبث ما يكون، لأنه يأخذ بأخبث خصال أبيه وخصال أمه.
والعرب تذكر أن الغيرى لا تنجب: وقال عمرو بن معديكرب:
ألست تصير إذا ما نسب ... ت بين المغارة والأحمق
وقالت الحكماء: كل امرأة أو دابة تبطيء عن الحمل، إن واقعها الفحل في الأيام التي يجري فيها الماء في العود فإنها تحمل بإذن الله.
وقالت الحكماء: الزنج شرار الخلق وأردؤهم تركيبا، لأن بلادهم سخنت جدا فأحرقتهم في الأرحام، وكذلك من بردت بلاده فلم تنضجه الرحم؛ وإنما فضل أهل بابل لعلة الاعتدال؛ والشمس هي التي شيّطت شعور الزنج فقبّضتها؛ والشعر إن أدنيته من النار تقبّض، فإن زدته شيئا تفلفل، فإن زدته احترق.
وقالوا: أطيب الأمم أفواها الزنج وإن لم تستنّ «1» ، وذلك لرطوبة أفواهها وكثرة الريق فيها؛ وكذلك الكلاب من سائر الحيوان أطيبها أفواها. لكثرة الماء فيها، وخلوف «2» فم الصائم يكون لقلة الريق، وكذلك الخلوف في آخر الليل.
وقالت الحكماء أيضا: كل الحيوان إذا ألقى في الماء سبح: إلا الإنسان والقرد والفرس الأعسر، فإن هذه تغرق ولا تسبح.
قالوا: وليس في الأرض هارب من حرب أو غيرها يستعمل الحضر إلا أخذ على يساره؛ ولذلك قالوا: فمال على وحشيّه، وأنحى على شؤمى يديه.
وقالوا: كل ذي عين من ذوات الأربع، السباع والبهائم الوحشية والإنسية فإنما الأشفار منها بجفنها الأعلى، إلا الإنسان، فإن الأشفار- يعني الهدب.. بجفنيه معا:
الأعلى والأسفل.
وقالوا: كل جلد ينسلخ إلا [جلد] الإنسان، فإن جلده لا ينسلخ.
عمر بين رجلين في غلام
: وحدث أبو حاتم عن الأصمعي قال: اختصم رجلان إلى عمر رضي الله عنه في غلام، كلاهما يدعيه؛ فسأل عمر أمّه؛ فقالت: غشيني أحدهما ثم هرقت دما ثم غشيني الآخر. فدعا عمر بالرجلين فسألهما، فقال أحدهما: أعلن أم أسرّ؟ قال: أسرّ. قال:
اشتركنا فيه! فضربه عمر حتى اضطجع: ثم سأل الآخر، فقال مثل ذلك؛ فقال عمر:
ما كنت أرى مثل هذا يكون، ولقد علمت أن الكلبة يسفدها «3» الكلاب؛ فتؤدي إلى كل كلب نجله.
وركب الناس في أرجلهم، وركب ذوات الأربع في أيديها؛ وكل طائر كفه [في] رجله.
الليث ابن سعد عن ابن عجلان، أن امرأته حملت [له مرّة] ، فأقامت حاملا خمس سنين ثم ولدت، وحملت له مرة أخرى فأقامت حاملا ثلاث سنين ثم ولدت.
وولد الضحّاك بن مزاحم وهو ابن ثلاثة عشرة شهرا.
وقال جويبر: ولد الضحاك لسنتين، [وولد] شعبة لسنتين.
ما نقص من خلقة الحيوان
حدّث أبو حاتم عن أبي عبيدة والأصمعي وأبو زيد قالوا: الفرس لا طحال له، والبعير لا مرارة له، والظليم لا مخ له.
وقال زهير:
[كأن الرّحل منها فوق صعل] «1» ... من الظّلمان جؤجؤه هواء
وكذلك طبر الماء والحيتان لا ألسنة لها، ولا أدمغة لها؛ وصفن البعير لا بيضة فيه، والسمكة لا رئة لها، و [لذلك] لا تتنفس، وكل ذي رئة ينتفس.
المشتركات من الحيوان
الراعي بين الورشان والحمامة. والجوامز من الإبل بين العراب والفوالج. والحمير الأخدرية من الأخدر- فرس كان لأردشير كسرى، توحش واجتمع بعانات حمير فضرب فيها- وأعمارها كأعمار الخيل. والزرافة بين الناقة من نوق الحبش وبين البقرة الوحشية وبين الضّبعان، واسمها اشتر كاوبلنك «2» ، [أي بين الجمل والكركند] ، وذلك أن الضبعان ببلاد الحبشة يسفد الناقة فتجيء بولد خلقه بين خلق الناقة والضبعان، فإن كان ولد الناقة ذكرا عرض للمهاة «3» فألقحها زرافة، وسميت زرافة لأنها جماعة وهي واحدة كأنها جمل وبقرة وضبع؛ والزرافة في كلام العرب:
الجماعة. وقال صاحب المنطق: الكلاب تسفدها الذئاب في أرض سلوق، فيكون منها الكلاب السّلوقية.








مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید