المنشورات

تفاضل البلدان

الأصمعي يرفعه إلى قتادة قال: الدنيا كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ، فبلد السودان منها اثنا عشر ألف فرسخ، وبلد الروم ثمانية آلاف فرسخ، وبلد الفرس ثلاثة آلاف فرسخ، وبلد العرب ألف.
الأصمعي قال: جزيرة العرب ما بين نجران إلى العذيب.
وقال غيره: أرض العرب ما بين بحر القلزم وبحر الهند.
قالوا: وسواد البصرة: الأهواز، وفارس؛ وسواد الكوفة: كسكر إلى الزاب إلى عمل حلوان إلى القادسية؛ وهذه كلها من عمل العراق؛ وعمل العراق من هيت إلى الصين والهند والسند، ثم كذلك إلى الري، وخراسان كلها إلى بلد الديلم والجبال؛ وأصفهان سرة العراق، افتتحها أبو موسى الأشعري؛ والجزيرة ليست من عمل العراق، وهي ما بين الدجلة والفرات، والموصل من الجزيرة، ومكة والمدينة ومصر ليست من عمل العراق.
الأصمعي قال: البصرة كلها عثمانية، والكوفة كلها علوية، والشام كلها أموية، والجزيرة خارجية، والحجاز سنية، وإنما صارت البصرة عثمانية من يوم الجمل؛ إذ قاموا مع عائشة وطلحة والزبير؛ فقتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقيل لرجل من أهل البصرة: أتحب عليا؟ قال: كيف أحبّ رجلا قتل من قومي من لدن كانت الشمس هكذا ... إلى أن صارت هكذا ... ثلاثين ألفا.
والكوفة علوية، لأنها وطن علي رضي الله عنه وداره.
والشام أموية، لأنها مركز ملك بني أمية وبيضتهم.
والجزيرة خارجية، لأنها مسكن ربيعة، وهي رأس كل فتنة، وأكثرها نصارى وخوارج، ومنازلهم الخابور، وهو واد بالجزيرة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لبني تغلب: يا خنازير العرب! والله لئن صار هذا الأمر إليّ لأضعنّ عليكم الجزية! وقال هارون الرشيد ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء في ربيعة! قال: بلى، ولكنّ منابرهم الجذوع! الأعمش عن سليم قال: ذكر عمر بن الخطاب الكوفة فقال: جمجمة العرب، وكنز الإيمان، ورمح الله في الأرض، ومادة الأمصار.
علي بن محمد المديني قال: الكوفة جارية حسناء تصنّع لزوجها، فكلما رآها سرته.
وقال محمد بن عمير بن عطارد: الكوفة سفلت عن الشام ورباها، وارتفعت عن البصرة وعمقها، فهي مريئة مريعة، عذية «1» ندية؛ وإذا أتتنا الشمال هبت على مسيرة شهر على مثل رضراض «2» الكافور، وإذا هبت الجنوب «3» جاءت بريح السواد وورده وياسمينه وأترجّه؛ فماؤها عذب، وعيشها خصب.
قال ابن عياش الهمداني لأبي بكر الهذلي [يوم فاخره] عند أبي العباس- وذكرت عنده الكوفة والبصرة- فقال: إنما مثل الكوفة مثل اللهاة من البدن، يأتيها الماء ببرده وعذوبته؛ ومثل البصرة مثل المثانة يأتيها الماء بعد تغيّر وفساد.
وقال الحجاج: الكوفة بكر حسناء، والبصرة عجوز بخراء «4» أوتيت من كل حلي وزينة.
وقال جعفر بن سليمان: العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق. والمربد عين البصرة، ودارين عين المربد.
وقال الأصمعي: تذكروا عند زياد الكوفة والبصرة، فقال زياد: لو أضللت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلني عليها! وقال حذيفة: أهل البصرة لا يفتحون باب هدى، ولا يغلقون باب ضلالة، وقد رفع الطاعون عن جميع أهل الأرض إلا عن أهل البصرة! ومما نقم على أهل الكوفة أنهم أغدر الناس: طعنوا الحسن بن علي وانتهكوا عسكره، وخذلوا الحسين بن علي بعد أن استدعوه حتى قتل، وشكوا سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب وزعموا أنه لا يحسن أن يصلي، فدعا عليهم أن لا يرضيهم الله عن وال ولا يرضي واليا عنهم، وقد دعا عليهم عليّ بن أبي طالب فقال:
اللهم ارمهم بالغلام الثقفي- يعني الحجاج بن يوسف، وشكوا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة، وطردوا سعيد بن العاص، وخذلوا زيد بن عليّ، وادعى النبوّة منهم غير واحد، منهم المختار بن أبي عبيد. وكتب المختار إلى الأحنف بلغني أنكم تكذبونني وتكذبون رسلي، وقد كذّبت الأنبياء من قبلي، ولست بخير من كثير منهم!
لعبد الله بن عمر في المختار
: وقيل لعبد الله بن عمر: إن المختار يزعم أنه يوحى إليه! قال: صدق؛ الشياطين يوحون إلى أوليائهم.
سكينة وأهل الكوفة
: ولما أرادت سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم الرحيل من الكوفة إلى المدينة بعد قتل زوجها المصعب، حف بها أهل الكوفة وقالوا: أحسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم! فقالت: لا جزاكم الله خيرا من قوم، ولا أحسن الخلافة عليكم، قتلتم أبي، وجدّي، وأخي، وعمي، وزوجي، أيتمتموني صغيرة، وأيّمتموني كبيرة! «1»
عبد الملك وأهل الكوفة
: ولما دخل عبد الملك بن مروان الكوفة بعد قتل المصعب، أقبل إليه جماعة فقال:
من هؤلاء؟ قالوا أمراؤك أهل الكوفة. قال: قتلة عثمان! قالوا: نعم، وقتلة عليّ! قال: هذه بهذه.
بين الكواء ومعاوية
: قدم عبد الله بن الكواء على معاوية، فقال: أخبرني عن أهل البصرة. قال:
يقبلون ويدبرون شتى. قال: فأخبرني عن أهل الكوفة. قال: أنظر الناس في صغيرة وأوقفهم في كبيرة. قال: فأخبرني عن أهل المدينة. قال: أحرص الناس على الفتنة وأعجزهم عنها! قال فأخبرني عن أهل مصر. قال: لقمة آكل. قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة. قال: كناسة بين حشّين «1» ، قال: فأخبرني عن أهل الشام. قال: جند أمير المؤمنين، ولا أقول فيهم شيئا! قال: لتقولن. قال: أطوع خلق الله لمخلوق، وأعصاهم للخالق، ولا يخشون في السماء ساكنا.
قتادة قال: قيست البصرة في زمن خالد بن عبد الله القسري، فوجدوا طولها فرسخين وعرضها فرسخين.
الأصمعي قال: قال ابن شهاب الزهري: من قدم أرضا فأخذ من ترابها فجعله في مائها ثم شربه، عوفي من وبائها.
الأصمعي قال: دخلت الطائف فكأني كنت أبشر، وكأن قلبي ينضح بالسرور؛ وما أجد لذلك علة إلا انفساخ جوها وطيب نسيمها.
ودخل سليمان بن عبد الملك الطائف فنظر إلى بيادر الزبيب، فقال: ما تلك الجرار السود؟ قيل له: ليست بجرار يا أمير المؤمنين، ولكنها بيادر الزبيب. قال: لله درّ قسيّ، في أي عش أودع فراخه! يريد بقسيّ ثقيفا؛ كذلك كان اسمه.
الأصمعي قال: من أمثال العامة يقولون: حمّى خيبر، وطحال البحرين، ودماميل الجزيرة، وطواعين الشام.
الأصمعي قال: ذكروا أن على باب سمرقند مكتوب: بين هذه المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ. قال الأصمعي: بين بغداد وأفريقية ألف فرسخ، وبين البصرة والكوفة ثمانون فرسخا، وواسط بينهما متوسطة، فلذلك سميت واسط.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید