المنشورات

البطنة وقولهم فيها

قالوا: البطنة تذهب الفطنة.
وقال مسلمة بن عبد الملك لملك الروم: ما تعدّون الأحمق فيكم؟ قال الذي يملأ بطنه من كل ما وجد.
وحضر أبو بكرة سفرة معاوية، ومعه ولده عبد الرحمن، فرآه يلتقم لقما شديدا؛ فلما كان بالعشي راح إليه أبو بكرة، فقال له معاوية: ما فعل آبنك التلقامة «3» ؟ قال:
اعتل، قال: مثله لا يعدم العلة.
ورأى أبو الأسود الدؤلي رجلا يلقم لقما منكرا، فقال [له] : كيف اسمك؟
قال: لقمان. قال: صدق الذي سماك! ورأى أعرابيّ رجلا سمينا، فقال له: أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك!
وقعد أعرابي على مائدة المغيرة، فجعل ينهش ويتعرّق، فقال المغيرة: يا غلام ناوله سكينا، قال الاعرابي: كل امرىء سكينه «1» في رأسه.
لأعرابي
قال أعرابيّ: كنت أشتهى ثريدة دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمص، ذات حفافين [من اللحم، لها جناحان] من العراق: فأضرب فيها كما يضرب وليّ السوء في مال اليتيم! وقال أعرابي:
ألا ليت لي خبزا تسربل رائبا ... وخيلا من البرني فرسانها الزّبد «2»
فأطلب فيما بينهنّ شهادة ... بموت كريم لا يعدّ له لحد
واصطحب شيخ وحدثّ من الأعراب في سفر، وكان لهما قرص في كل يوم وكان الشيخ مخلع الأضراس، وكان الحدث يبطش بالقرص ويقعد يشكو العشق، والشيخ يتضوّر جوعا؛ وكان الحدث يسمى جعفرا، فقال الشيخ فيه:
لقد رابنى من جعفر أنّ جعفرا ... يطيش بقرصي ثمّ يبكي على جمل
فقلت له لو مسّك الحبّ لم تبت ... بطينا ونسّاك الهوى شدّة الأكل
الأصمعي قال: تقول العرب في الرجل الأكول: إنه برم قرون.
البرم: الذي يأكل مع الجماعة ولا يجعل شيئا. والقرون: الذي يأكل تمرتين تمرتين ويأكل أصحابه تمرة تمرة. وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن القران.
وكان عبد الله بن الزبير: إذا قدم التمر إلى أصحابه [قال] : قال عبد الله بن عمر:
إياكم والقران، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه.
وقيل لميسرة الأكول: كم تأكل كلّ يوم؟ قال: من مالي أو من مالي غيري؟ قيل له: من مالك. قال مكّوك «1» . قيل: فمن مال غيرك؟ قال: اخبزوا واطرحوا! وقال رجل من العراق في قينة حفص الكاتب:
قيينة حفص ويلها ... فيها خصال عشره
أوّلها أنّ لها ... وجها قبيح المنظره
ودارها في وهدة ... أوسع منها القنطره
تأكل في قعدتها ... ثورا وتخرى بقره
قال تأبّط شرا: ما أحببت شيئا قطّ حبي ثلاثة: أكل اللحم، وركوب اللحم، وحكّ اللحم باللحم.
وقال أبو اليقظان: كان هلال بن الأسعر التميمي أكولا، فيزعمون أنه أكل فصيلا وأكلت امرأته فصيلا؛ فلما أراد أن يجامعها لم يصل إليها، فقالت له: وكيف تصل إليّ وبيني وبينك بعيران! وكان الواثق، واسمه هارون بن محمد بن هارون، أكولا، وكان مفتونا بحب الباذنجان، وكان يأكل في أكلة واحدة أربعين باذنجانة؛ فأوصى إليه أبوه، وكان وليّ عهده: ويلك! متى رأيت خليفة أعمى؟ فقال للرسول: أعلم أمير المؤمنين أني تصدقت بعينيّ جميعا على الباذنجان!
نهم سليمان بن عبد الملك
وكان سليمان بن عبد الملك من الأكلة، حدث عنه العتبي عن أبيه عن الشمرد وكيل عمرو بن العاص قال: لما قدم سليمان الطائف، دخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب ابنه بستانا لعمرو بن العاص، فجال فيه ساعة، ثم قال: ناهيكم بما لكم هذا مالا! ثم ألقى صدره على غصن، وقال: ويلك يا شمردل ما عندك شيء تطعمني؟ قال: بلى، إن عندي جديا كانت تغدو عليه بقرة وتروح أخرى. قال: عجل به. فأتيته به كأنه عكة سمن، فأكله وما دعا عمر ولا ابنه، حتى إذا بقي الفخذ قال: هلم أبا حفص.
قال: إني صائم. فأتى عليه، ثم قال: ويلك يا شمردل! ما عندك شيء تطعمني؟ قال:
بلى والله، عندي خمس دجاجات هنديات كأنهنّ رئلان «1» النعام. قال: فأتيته بهن، فكأن يأخذ برجلي الدجاجة فيلقى عظامها نقية، حتى أتى عليهن؛ ثم قال: يا شمردل، ما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى واللَّه، إن عندي حريرة «2» كأنها قراضة الذهب.
فقال: عجل بها. فأتيته بعسّ يشيب فيه الرأس، فجعل يلاقيها بيده ويشرب؛ فلما فرغ تجشّأ، فكأنما صاح في جب، ثم قال: يا غلام، أفرغت من غذائي؟ قال: نعم قال: وما هو؟ قال: ثمانون قدرا. قال: ائتني بها قدرا قدرا. قال: فأكثر ما أكل من كل قدر ثلاث لقم، وأقلّ ما أكل لقمة؛ ثم مسح يده واستلقى على فراشه، ثم أذن للناس ووضعت المائدة وقعد فأكل مع الناس، فما أنكرت من أكله شيئا.
نهم مزرد
وقال الأصمعي: كنت يوما عند هارون الرشيد، فقدمت إليه فالوذجة، فقال: يا أصمعي، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: حدثني بحديث مزرّد أخي الشماخ. قلت:
نعم يا أمير المؤمنين، إن مزردا كان رجلا جشعا نهما، وكانت أمه تؤثر عيالها بالزاد عليه؛ وكان ذلك مما يضرّ به ويحفظه؛ فذهبت يوما في بعض حقوق أهلها، وخلفت مزردا في بيتها ورحلها، فدخل الخيمة، فأخذ صاعين من دقيق، وصاعا من عجوة، وصاعا من سمن؛ فضرب بعضه ببعض فأكله، ثم أنشأ يقول:
ولما مضت أمّي تزور عيالها ... أغرت على العكم الذي كان يمنع «3»
خلطت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريّع
ودبّلت أمثال الأثافي كأنها ... رءوس رخال قطّعت لا تجمّع «4»
وقلت لبطني: أبشر اليوم إنه ... حمى أمّنا مما تفيد وتجمع
فإن كنت مصفورا فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثانا فذا يوم تشبع «1»
قال: فاستضحك هارون حتى أمسك بطنه واستلقى على ظهره، ثم قعد فمدّ يده وقال: خذ، فذا يوم تشبع يا أصمعي! وقال حميد الأرقط- وهو الذي هجا الأضياف- يصف أكل الضيف:
ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت ... وبين أخرى تليها قيد أظفور
وقال أيضا:
تجهّز كفّاه ويحدر حلقه ... إلى الزّور ما ضمّت عليه الانامل
أتانا وما ساواه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذي هو قائل
فما زال عنه اللّقم حتى كأنه ... من العيّ لمّا أن تكلّم باقل
وقال:
لا أبغض الضيف ما بي جلّ مأكله ... إلا تنفّجه حولي إذا قعدا «2»
ما زال ينفخ جنبيه وحبوته ... حتى أقول لعلّ الضيف قد ولدا «3»
وقال:
لا مرحبا بوجوه القوم إذ نزلوا ... دسم العمائم تحكيها الشياطين
ألقيت جلّتنا شطرين بينهم ... كأن أظفارهم فيها السكاكين
فأصبحوا والنّوى عالى معرّسهم ... وليس كلّ النوى تلقي المساكين «4»
موت سليمان بن عبد الملك:
أبو الحسن المدائني قال: أقبل نصراني إلى سليمان بن عبد الملك، وهو بدابق، بسلّين، أحدهما مملوء بيضا، والآخر مملوء تينا، فقال: اقشروا. فجعل يأكل بيضة وتينة حتى فرغ من السلين؛ ثم أتوه بقصعة مملوءة مخّا بسكر؛ فأكله، فأتخم ومرض فمات.
عيب الحمية:
والأكلة كلهم يعيبون الحمية، ويقولون، الحمية إحدى العلتين.
وقالوا: من احتمى فهو على يقين من المكروه وهو في شك من العافية! وقالوا: الحمية للصحيح ضارّة وللعليل نافعة.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید