ولا يصلح شيء من هذه إلا في وقت تحرّك الشهوة، فإنه أفضل وقت يؤخذ فيه الطعام؛ وللعادة في هذا حظ عظيم. ألا ترى أنه من اعتاد الغداء فتركه واقتصر على العشاء عظم ضرر ذلك عليه؟ ومن كانت عادته أكلة واحدة فجعلها أكلتين لم يستمريء طعامه، ومن كانت عادته أن يجعل طعامه في وقت من الأوقات فنقله إلى غير ذلك الوقت أضر ذلك به، وإن كان قد نقله إلى وقت محمود؛ فيجب لذلك أن يتبع العادة إذا تقادمت فطالت، وإن كانت ليست بصواب، إذا لم يجد شيئا اضطره إلى نقله؛ لأن العادة طبيعة ثانية كما ذكر الحكيم أبقراط، فإن حدث شيء يدعوه إلى الانتقال عنها فأوفق الأمور في ذلك أن ينقل عنها قليلا قليلا.
وللشهوة أيضا في استمراء الطعام أعظم الحظ؛ لأنها دليل على الموافقة والملاءمة، فمتى كان طعامان متساويان في الجودة، وكانت شهوة المحتاج إليهما إلى أحدهما أميل، رأينا إيثار المشتهي على الآخر، لأنه أوفق للطبيعة، وأسهل عليها في الاستمراء. ومتى كان أحدهما أجود من الآخر، وكانت شهوة المحتاج إليهما أميل إلى أردئهما. اخترناه على الأجود إذا لم نخف منه ضررا لكثير ما ينال منه من المنفعة، لقبول المعدة له واستمرائها إياه.
فقد بان أنه يحتاج في حال الأغذية وجودة تخير الأطعمة إلى معرفة اختلاف الطبائع وحالاتها؛ فقد بينت اختلاف طبائع الأبدان وحالاتها، وما يجب على كل واحدة منها من أنواع الأطعمة والأشربة؛ وبقي أن نبين اختلاف قوى الأطعمة والأشربة. وأن أصف أنواع الأغذية وأسمّى ما في كل صنف منها إن شاء الله تعالى.
مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد
ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار
الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى،
1404 هـ
تعليقات (0)