المنشورات

كتاب إسحاق بن عمران إلى بعض اخوانه

كتب إسحاق بن عمران المعروف بسمّ ساعة إلى رجل من اخوانه:
اعلمك- رحمك الله- ان الخام والبلغم يظهران على الدم والمرة بعد الاربعين سنة فيأكلانهما، وهما عدوا الجسد وهادماه، ولا ينبغي لمن خلف الاربعين سنة ان يحرك طبيعة من طبائعه غير الخام والبلغم، ويقوّي الدم جاهدا، غير أنه ينبغي له في كل سبع سنين ان يفجر من دمه شيئا، ومن المرة مثل ذلك، لقلة صبره على الطعام اللذيذ والمشروب الرويّ، فتعاهد اصلحك الله ذلك من نفسك، واعلم ان الصحة خير من المال والاهل والولد، ولا شيء بعد تقوى الله سبحانه وتعالى خير من العافية. ومما تأخذ به نفسك وتحفظ به صحتك، ان تلزم ما اكتب به إليك:
في شهر ينير «2» : لا تأكل السلق، واشرب شرابا شديدا كل غداة.
وفي شهر فبرير: لا تأكل السلق.
وفي مارس: لا تأكل الحلواء كلها وتشرب الأفسنتين «1» في الحلاوة.
وفي أبريل: لا تأكل شيئا من الاصول التي تنبت في الأرض، ولا الفجل.
وفي مايه: لا تأكل رأس شيء من الحيوان.
وفي يونيه: تشرب الماء البارد بعد ما تطبخه وتبرده على الريق.
وفي يوليه: تجنب الوطء.
وفي أغشت: لا تأكل الحيتان.
وفي سبتمبر: تشرب اللبن البقري.
وفي أكتوبر: لا تأكل الكراث نيئا ولا مطبوخا.
وفي نبنبر: لا تدخل الحمام.
وفي دجنبر: لا تأكل الارانب.
زعم علماء الطب ان في الجسد من الطبائع الاربع اثني عشر رطلا فللدم منها ستة أرطال، وللمرة والسوداء والبلغم ستة أرطال، فإن غلب الدم والطبائع تغير منه الوجه وورم، وخرج ذلك إلى الجذام؛ وإن غلبت تلك الطبائع الدم أنبتت المرّة.
قال: فإذا خاف الإنسان غلبة هذه الطبائع بعضها بعضا، فليعدل جسده بالاقتصاد وينقيه بالمشي. فإنه إن لم يفعل اعتراه ما وصفناه، إما جذام وإما مرة، نسأل الله العافية.
ولا بأس بعلاج الجسد في جميع الازمان إلا ايام السموم، إلا أن ينزل فيها مرض شديد لا بدّ من مداواته، او يظهر فيها موم «2» ، أو ذات الجنب، فإنه ينبغي للطبيب أن يعانيه «3» بفصاد او شيء خفيف، فإنها ايام ثقيلة، وهي [من] خمسة عشر يوما من تموز إلى النصف من آب، فذلك ثلاثون يوما لا يصلح فيها علاج- وكان بقراطيس يجعلها تسعة وأربعين يوما- يقطع الغرر والخطر في ايام القيظ، فإذا مضى لا يلول ثلاثة أيام طاب التداوي كله.
وأمر جالينوس في الربيع بالحجامة، والنورة، وأكل الحلاوة وشربها؛ ونهى عن القطانّي «1» ، واللبن الرائب، وعتيق الجبن، والمالح، والفاكهة اليابسة إلا ما كان مصلوقا....
وفي القيظ- وهو زمان المرة الحمراء- يأكل البارد الرطب على قدر قوّة الرجل في طبعه وسنه، وترك الجماع، وأكل الحوت الطري، والفاكهة الرطبة، والبقول؛ ولحم البقر والمعز؛ ومن القطاني العدس، ومن الاشربة المربب بالورد والسّكركة «2» من الشعير، والسكر بالماء المطبوخ، وأكل الكزبرة الخضراء في الاطعمة، وأكل الخيار والبطيخ، ولزوم دهن الورد وماء الورد، ورش الماء وبسط البيت بورق الشجر، ومن الدواء السكر بالمصطكا، يسحقهما مثلا بمثل ويأخذهما على الريق قدر الدرهم أو اكثر قليلا ...
وفي زمان الخريف- وهو زمان السوداء، وهو أثقل الازمنة على اهل تلك الطبيعة- من الطعام والشراب بالحار الرطب، مثل الاحساء بالحلاوة، وأكل العسل وشربه؛ ونهى فيه عن الجماع، وأكل لحم المعز والبقر، وأمر بأكل صنوف حيوان البر والبحر، وحسو البيض، والدهن قبل الحمام، وإتيان النساء على غير شبع في آخر الليل وفي أول النهار، والتماس الولد على الريق من الرجل والمرأة فإن اولاد ذلك الزمان اشد وأقوى تركيبا، من غيرهم، كما قالت الحكماء.












 مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید