المنشورات

الأمين ووعد جارية

حدث أبو جعفر قال: بينا محمد بن زبيدة الأمين يطوف في قصر له، إذ مر بجارية له سكرى، وعليها كساء خزّ تسحب أذياله، فراودها عن نفسها، فقالت: يا أمير المؤمنين، أنا على ما ترى، ولكن إذا كان في غد إن شاء اللَّه! فلما كان من الغد مضى إليها فقال لها: الوعد! فقالت يا أمير المؤمنين، أما علمت أن كلام الليل يمحوه النهار؟ فضحك وخرج إلى مجلسه فقال: من بالباب من شعراء الكوفة؟ فقيل له: مصعب، والرقاشي، وأبو نواس. فأمر بهم فأدخلوا عليه. فلما جلسوا بين يديه قال: ليقل كل واحد منكم شعرا يكون آخره.
كلام الليل يمحوه النهار
فأنشأ الرقاشي يقول:
متى تصحو وقلبك مستطار ... وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صبّا مستهاما ... فتاة لا تزور ولا تزار «1»
إذا استنجزت منها الوعد قالت ... كلام الليل يمحوه النهار
وقال مصعب:
أتعذلني وقلبك مستطار ... كئيب لا يقرّ له قرار
بحبّ مليحة صادت فؤادي ... بألحاظ يخالطها احورار «2»
ولما أن مددت يدي إليها ... لألمسها بدا منها نفار
فقلت لها عديني منك وعدا ... فقالت: في غد منك المزار
فلما جئت مقتضيا أجابت: ... كلام الليل يمحوه النهار
وقال أبو نواس:
وخود أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زيّن السّكر الوقار»
وهزّ المشي أردافا ثقالا ... وغصنا فيه رمان صغار
وقد سقط الرّدا عن منكبيها ... من التخميش وانحلّ الإزار
فقلت الوعد سيّدتي، فقالت: ... كلام الليل يمحوه النهار
فقال له: أخزاك اللَّه! أكنت معنا ومطلعا علينا؟ فقال يا أمير المؤمنين عرفت ما في نفسك، فأعربت عما في ضميرك. فأمر له بأربعة آلاف درهم، ولصاحبيه بمثلها.
وقال بعض الورّاقين:
غضبت من قبلة بالكره جدت بها ... فها أنا جئت فاقتصيّه أضعافا
لم يأمر اللَّه إلا بالقصاص فلا ... تستجوري ما رآه اللَّه إنصافا! «2»













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید